ناصر عراق
ثورة يناير... الأرباح والخسائر
هل نحن شعب متعجل؟ هل مقدور على المصريين أن يستعجلوا النتائج الطيبة بعصبية، فإذا لم يحصوا عليها لعنوا جهودهم السابقة وكفروا بها؟
إن من يتأمل موقف الكثير من ثورة يناير تراوده هذه الأسئلة، خصوصًا عندما يكتشف أن الشباب الذين شاركوا في الثورة بجسارتهم المذهلة قد صاروا ضحية للإحباط واليأس، بعدما أخفقت الأنظمة التي جاءت بعد الثورة في تحقيق ما كانوا يحلمون به.
إن الصراع بين الخير والشر... حاد ودائم ومستمر، والشعوب في حاجة إلى وقت طويل لتنتصر على الطغاة والمستبدين والظلمة، وغالبًا ما تخسر الشعوب أكثر من جولة في هذا الصراع العنيف، لكنها ستنتصر في النهاية إذا أدركت طبيعة الصراع وجوهره، وامتلكت أدوات المقاومة وفنون المواجهة.
لقد كان لنا في ثورة يناير أسوة حسنة، من حيث الأرباح التي ظفرنا بها، أو من حيث الخسائر التي دهمتنا، فتعالَ نعدد معًا أبرز هذه الأرباح والخسائر بمناسبة مرور خمس سنوات على هذه الثورة المذهلة.
إزاحة مبارك وعائلته من عرين الرئاسة أول المكاسب الكبرى، فقد كان الرجل مثل كابوس مقيم لا يغادر دماءنا وأعصابنا حتى دمّر الجهاز النفسي للملايين وأغلق نوافذ الأمل في وجوه الشباب.
المكسب الثاني يتمثل في اقتلاع فكرة توريث الوطن من جذورها، فهل نسينا كيف كان جمال مبارك يتعامل بوصفه رئيس مصر، يحكم ويتحكم ويدير هو وزبانيته الدولة المصرية العتيدة؟
أما ثالث المكاسب المذهلة التي حققتها ثورة يناير، فيتمثل في كون الشعب أدرك أنه قوة جبارة تزلزل عرش أي طاغية مهما بلغ جبروته، الأمر الذي انعكس بعد ذلك على ثورة 30 يونيو، فلولا يناير ما كانت يونيو، إذ خرج الناس بالملايين ضد مرسي كما خرجوا بالملايين ضد مبارك.
نأتي إلى خسائر ثورة يناير عسى أن نتعلم الدرس فلا نكرر الأخطاء نفسها التي تؤدي إلى الخسارة في الثورة المقبلة، وهكذا تجلى أول خطأ في أن الثورة اندلعت دون وجود حزب سياسي حقيقي يعد لها بذكاء ويطرح برنامجًا سياسيًّا واقتصاديًّا واضحًا محددًا يجمع حوله ملايين الثائرين، فانفض الناس وتشرذموا بعد طرد مبارك.
بينما يتمثل الخطأ الثاني في أننا ظننا أن الغضب وحده قادر على تغيير الأنظمة الباطشة وتحالفاتها وتحقيق أهداف الثورة، وهكذا حوَّلنا ميدان التحرير إلى مجرد مستودع للغضب الشعبي فقط، ولم نحاول أن نطور عملنا السياسي بعد طرد مبارك، فلا وصل الثوار إلى السلطة ولا شاركوا فيها، لأنهم لم يكونوا منظمين في حزب سياسي ثوري.
أما الدرس المهم الذي يجب أن نتعلمه من خسارات ثورة يناير فيكمن في أننا لم نكن ندرك جيدًا خبث الطبقة الحاكمة ومكرها، ولم نعرف أنها مثل الحرباء قادرة على التلون لتمتص الغضب الجارف، ثم تعود بقوة لتسحق كل من حاول الاعتداء عليها أو إزاحتها.
أجل... ثورة يناير ثورة عظيمة، لكنهم غدروا بها بسبب جهلنا بعلوم الثورة وقوانينها، وعدم دراستنا لتاريخ الثورات الناجحة والفاشلة في العالم، ومع ذلك يجب الحفاوة بها لندرس ونتعلم، فندرك أن نجاح أي ثورة يحتاج إلى صبر ووعي ودأب، إنها معركة طويلة وتضحيات كبيرة، فهل نحن لها، أم سنظل شعبًا يتعجل النتائج دون أن يدفع تكاليف المعركة؟