التحرير
عزة كامل
بيان الأزهر.. دعوة صريحة للقتل
(1)
لم تكتف هيئة علماء الأزهر بحبس إسلام بحيرى، بل أصدرت بيانًا حاد اللهجة أكدت فيه "أن الأزهر الشريف يتعرض لحملة شرسة وصلت إلى تحميله مسئولية العنف العشوائى واستخدام القوة لفرض الآراء، بل وتجاوزت ذلك إلى تجريح ثوابت الإسلام، والطعن في التراث الفكري والحضاري الذي جعل من أمتنا العالم الأول على ظهر هذه الأرض لأكثر من عشرة قرون، والذي استلهمته أوروبا في بناء نهضتها الحديثة."




وقال البيان "لقد تزامنت هذه الحملة الظالمة مع بروز ظاهرة «الإسلامو فوبيا» في الغرب حتى لكأنهما جناحان لنزعة كراهية الإسلام، وتزييف صورته، وتشويه تراثه، الذي كان الأزهر -ولا يزال- حارسه الأمين على امتداد تاريخ هذا المعهد العريق. واعتبرت هيئة كبار العلماء أن الحملة تجاوزت النقد المشـروع منه وغير المشروع

إلى الطعن الفج في ثوابت التراث، ومذاهب أهل السُّنَّة والجماعة، المجسدة لهوية الأمة وتميزها الحضاري، بالدعوة إلى إحراق هذا التراث وإهانة الأئمة والأعلام العدول الذين أسهموا في إبداعه وفي حمله جيلًا بعد جيل...".
لم تذكر لنا هيئة كبار العلماء ما ثوابت التراث، ولا من هم الأئمة والأعلام العدول الذين تسبغ عليهم صفة من الجلال والتقديس الدينى، لتحول بين العقل واعتماد منهج للنقد والبحث العلمى الصحيح فى التفسير والتأويل..
ورصدت هيئة كبار العلماء خلال تلك الحملة فضائيات تصف كتب التراث الإسلامي التي قامت على خدمة الكتاب والسُّنَّة بأنها «كتب النفايات البشرية التي مثلت لعنة حلَّت على الأمة، والتي يجب حرقها ودفنها.. فكل التراث مبني على النفاق والكذب والتدليس»!! كما تصف هذه الفضائيات ثمرات قرون صدر الإسلام -القرون الثلاثة الأولى- بلعنة الإرهاب والقتل والدموية والترويع، والكارثة الكبرى التي حلت بحياتنا.. وتصف الدين، الذي هو وحي وتنزيل إلهي ووضع إلهي ثابت، بأنه منتج بشـري، لا يصح أن يكون علمًا.
واحتشد البيان بكلمات ومصطلحات يعتقد كاتبوه أنها دليل هام ودامغ لإثبات اتهامات الزندقة والكفر، حيث يتهم من وصفهم بـ"المتمركسين بالإساءة إلى الدين، حيث فتحوا الأبواب أمام المادية الجدلية والتاريخية والزندقة والإلحاد، والبنيوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة".

ولقد أفرط البيان فى حشر المصطلحات والكلمات حشرًا وأفرط، كذلك، فى الملفوظ بكلمات ضخمة تستغلق معانيها على واضعى البيان أنفسهم، فأغلب الظن أن هؤلاء العماء ليس لديهم فكرة عن هذه المصطلحات! وكان أحرى بهم، حتى يكتمل الغموض أن يضيفوا أيضا الإمبريالية والبرجوازية، لعل الناس تتقبل حججهم، وتتغاضى عن مذهب تقديس السلف وتنزيهه عن الصغائر.
(2)
وربما قد أثار غضب الأزهر أن لجنة القصة رشحت إسلام بحيرى وسيد قمنى للحصول على إحدى الجوائز، فقد أشار البيان إلى المفكر سيد القمنى وضرب به المثل وقال: "إن واحدًا من هؤلاء المتمركسين الذين يناصبون الأزهر العداء أعلن أن الإسلام دين (مادي) ويختزله في مجرد مشروع سياسي، هو مشروع الحزب الهاشمي الذي أسسه عبد المطلب ونفذه حفيده -محمد صلى الله عليه وسلم- لإقامة الدولة العربية".

يقول: "كأني بمحمد ينادي طيف جده: أي جدي، هأنذا أحقق حلمك".
كما يدعو هذا المتمركس إلى أن يكون ولاؤنا، كمصريين، إلى فرعون، لأنهم مصريون، وليس إلى أنبياء الله موسى وهارون، عليهم السلام".
ألا يمثل هذا دعوة صريحة لإهدار دماء سيد القمنى؟ ألا يعنى هذا نداء لكل الغيورين، دون وعى، على الدين لتكفير الرجل والقصاص منه؟!
والأزهر باعتباره دولة داخل الدولة، يقف فى وجه الجميع، أفرادًا ومؤسسات وأيديولوجيات باعتبارها جميعًا تشكل تحالفات تؤثر على دوره التاريخى ورسالته المقدسة فى حراسة الشريعة فيقول فى ختام البيان:
"تحالفت في هذه الحرب الشرسة على الإسلام وتراثه الفكري والحضاري تياراتٌ فكرية ،علمانية وماركسية، وفضائيات وصحف ومجلات، اتخذت من الهجوم على الأزهر الشريف نقطة انطلاقها، لا لشيء، إلا لأن هذا المعهد العريق قد اتخذ من حراسة الشريعة وعلومها، والعربية وآدابها -وهما جماع هوية الأمة- رسالته المقدسة، التي رابط علماؤه على ثغورها منذ ما يزيد على ألف عام".
ويستخدم البيان لغة التهديد والوعيد باعتبار أن هناك مؤامرة عليه، فيعلن بلسان "هيئة كبار العلماء" أنه سيظل -كما كان العهد به على مر تاريخه- الحصن الحصين لتراث الأمة وهويتها الحضارية في مواجهة مختلف التحديات، مهما كانت شراسة هذه التحديات ومهما كانت الجهات التي تقف وراءهم، ويؤكد الأزهر أنه سيكون لهم بالمرصاد.
(3)
المرجعية الدينية التراثية ليست خالدة أو ثابتة، كل تيار أو فرقة يستخدمها ويوظفها طبقًا لمصالحه واعتقاده المذهبى، وبفرض أن هناك فكرًا تجاوز حدود المسموح به ما العمل إزاءه؟ هل نحبس صاحبه ونكفّره؟ هل نضع وصاية سياسية ودينية وأخلاقية عليه؟
الدين الإسلامى ليس هو مؤسسة الأزهر، إن الأزهر مؤسسة رسمية يتم تشكيلها من الحكومة عن طريق التعيين، بما فى ذلك تعيين شيخ الأزهر نفسه. وهى ليست معصومة من الخطأ أو المحاسبة.
كيف لهذه المؤسسة أن تصلح من الخطاب الدينى وهى لا تستمع لأصوات النقد من خارجها، بل تقوم بقذف الحِمم وتكفير كل من تسول له نفسه أن ينقد سلطانها ومملكتها ويحاول هدم الوصاية السياسية والدينية والأكاديمية والمجتمعية لها، كيف يمكن أن تكون هذه المؤسسة وسطية وما زالت مناهجها مليئة بالأفكار والفتاوى الظلامية؟!

كيف يمكن لهذه المؤسسة أن تطور من علومها الدينية وهى تستخدم تشريع الحسبة الذى أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب المفكرين والعلماء والمبدعين والمجتهدين الذين يحاولون إعمال العقل فى تأويل النصوص؟! ويتعامل كبار علمائهم على أنهم فوق الناس، وأن الجموع جاهلة غافلة، لذلك وجب إخضاعهم لسلطانهم.

كيف يتطور خطاب الأزهر وبيئته بيئة معادية أشد العداء للثقافة والمثقفين الذين صادر لهم مئات الكتب الإبداعية، وصادر فكر شيوخه وأساتذته المستنيرين بدءًا بعلى عبد الرازق وطه حسين ومرورًا بصبحى منصور وغيرهم.
(4)
متى يبدأ تكفير وتحريض الأزهر ومتى ينتهى؟!
يبدأ التكفير عندما يظهر رأى مخالف يبحث فى التراث ويحاول تفسيره وتأويله بطريقة مغايرة، ويبدأ التحريض عندما تتكون دوائر تتفاعل مع هذا التأويل المغاير، أما متى ينتهى فليس هناك نهاية لذلك طالما ارتبط هذا بانتهاك لحرية التعبير والتفكير.
يقول طه حسين فى كتاب "مستقبل الثقافة فى مصر":

"كم أنفقت مصر على المجمع اللغوى منذ إنشائه؟ وكم أنفقت مصر على هيئة كبار العلماء منذ إنشائها؟ وأى ثمرة علمية أو أدبية أو دينية جنتها مصر من هاتين الهيئتين منذ إنشائهما؟
أما المال فكثير وأما النفع فلا أقول إنه قليل، ولكنى أقول فى غير تردد إنه غير موجود".

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف