المساء
مؤمن الهباء
شهادة- بين نبوءة ونبوءة
ذكَّرنا أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة بشأن الهجرة الدولية عام 2015. بهمنا الأكبر. ومأساتنا الأخطر في التاريخ الحديث.. هَـم الحروب والصراعات السياسية ومأساة اللاجئين الناتجة عنها.. وهل هناك منطقة أخري في العالم تعاني مما يعانيه العرب بسبب الحروب والصراعات السياسية؟!!.. كل الشعوب الأخري التي تعيش علي كوكب الأرض استطاعت بشكل أو بآخر حل مشاكلها وأنهت حروبها إلا نحن.. مازلنا نتخبط في ظلمات الجهل والظلم والاستبداد.. ومازال بعضنا يقتل بعضاً.. وتأتي دول العالم لتحارب بعضها علي أرضنا حتي لا يموت إلا العربي.. ولا يتشرد إلا العربي.
تقرير الأمم المتحدة صدر في بيروت الخميس الماضي بعنوان "الهجرة والنزوح والتنمية في منطقة عربية مختلفة". وشارك في إعداده منظمات "الإسكوا" و"المنظمة الدولية للهجرة". و12 وكالة أخري من الوكالات التابعة لها.. وقد خلص إلي نتيجة مؤداها أن المواطن العربي مُعَـرَّض حالياً للجوء أكثر من أي إنسان آخر علي وجه الأرض بـ30 مرة.. وشعوب المنطقة العربية تنزح من بلدان تغرق في الدخان والظلام. أملاً في الحصول علي الأمان في بلدان أخري.
نحن العرب صرنا مشكلة العالم ومأساته.. ونحن أيضاً ضحيته. ونتاج مؤامراته.. ولا يمكن أن نعفي أنفسنا من المسئولية.. والذين يحيلون السبب إلي التاريخ والتراث وكتب السلف مغرضون.. فهذا السلف الذي أنتج ذلك التراث ساد العالم في زمنه. وقاد ركب الحضارة. وقدَّم للإنسانية أروع نموذج للتعايش والتراحم والبناء والتعمير.. الأزمات الحالية هي أزمات الأجيال الحالية.. التي عجزت عن فهم لغة زمانها. وقصَّرت عن امتلاك أدوات زمانها. فتقهقرت إلي الخلف. وصارت في ذيل الأمم.. حتي تساءل شاعرها في يوم ما: متي يعلنون وفاة العرب؟!!
في حفل إعلان تقرير الأمم المتحدة قالت ريما خلف. وكيلة الأمين العام للأمم: "هذه أمة نشأت علي تآخي بين مهاجرين نفروا من الظلم. وأنصار تلقوهم بالترحاب والسند.. ومنذ تلك اللحظة المحملة بالرمزية أصبح التآخي والتضامن والوحدة لبنة بناء هذه الأمرة. وحجرها الأساسي.. وحري بكبار الساسة أن يدركوا معني هذه القصة التي يحفظها أطفال المدارس.. فتتحول من قول يُقال. يُسمَع أو لا يُسمَع. إلي فعل يري أثره علي الأرض".
تريد السيدة "خلف" أن توقظ في الأمة ثقافة التضامن والتكافل. واستيعاب اللاجئين.. حتي لا نضطرهم إلي الموت غرقاً في قوارب الهجرة غير الشرعية. أو التشرد في بلاد غريبة.. لكن هيهات أن يحدث ذلك في أمة صارت كلها تبحث عن ملاذي آمن.. لم يعد هناك بيت عربي لا يفكر في الهجرة.. تتعدد الأسباب. لكن الحقيقة أن بلادنا صارت طاردة.. وفكرة الهجرة إلي بعيد. والهروب من الجحيم العربي واردة في أذهان الجميع.
قد تكون سوريا هي النموذج الأكثر فجاجة الآن.. حيث تدور علي أرضها فصول مأساة طالت. وأخرجت أكثر من 4 ملايين مواطن من ديارهم فراراً من ظلم وبغي وعدوان. يسقط عليهم من السماء. أو ينفجر في وجوههم من الأرض.. كل الأطراف التي تتصارع هناك بالأصالة عن نفسها أو بالوكالة عن الغير. لا تضرب غير طرف واحد هو الشعب السوري.. ولا يهدم غير البيت السوري.. ولا يشرد غير المواطن السوري.. ومع ذلك فإن الهجرة هي السمة المميزة لكل المنطقة العربية بشكل عام.. والمنطقة العربية صارت صاحبة الرقم القياسي المأساوي. حيث تشهد أعلي مستويات الهجرة القسرية في العالم.. وقد حولتها الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية إلي أكبر مصدر لتدفق اللاجئين.
لقد تحققت فينا نبوءة "توشك أن تتداعي عليكم الأمم".. وفي أن تتحقق نبوءة "وأعدوا".. "واعتصموا".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف