«جرّ النقطة» تقليد يعرفه أهالى المناطق الشعبية جيداً، ومعناه ببساطة خروج شخص فى فرح بلدى ليدفع نقطة متفقاً عليها بين أصحاب الفرح، حتى يغرى غيره من المعازيم بـ«التنقيط». أذكر أن مشهداً من هذا النوع ظهر فى فيلم «اللمبى». ربما كان التشبيه غريباً، ولا يتمتع بالمستوى المطلوب من الوقار، لكنه يبدو معبراً عن حالة التفاعل بين الكثير من الإعلاميين والمسئولين ورجال الدين، مع حالة القلق التى تسيطر على بعض أطراف المسئولية منذ عدة أسابيع، سبقت الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير.
البداية كانت فى وسائل الإعلام وعلى لسان بعض الإعلاميين الذين انخرطوا فى حديث مكثف عن دعوة بعض التيارات الشبابية للنزول فى 25 يناير. ورغم أن مصدر هذه الدعوات لا يتمتع بالشعبية ولا القدرة على التأثير فى الشارع وتحريكه، فقد وجدت هذه الدعوات تفاعلاً وانفعالاً محسوساً من جانب العديد من الإعلاميين الذين تخندق أغلبهم فى موقع الدفاع، وكعادتهم وعادة الإعلام وجدنا الكثير من هؤلاء «يعملون من الحبّة قبّة». بعد ذلك تلقّف بعض المسئولين «نقطة الإعلام» وبدأوا يدخلون إلى حلبة المسرح ونقطونا هم الآخرون بأحاديث مطولة عن رصد تحركات وتتبع عناصر أجنبية تسللت إلى مصر، وضبط أسلحة، وقامت قوات الأمن بالقبض على عدد من الشباب، وتدفقت الأحاديث حول خطط تأمين البلاد فى ذكرى الثورة، وغير ذلك من أمور.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دخل على خط «التنقيط» جهات أخرى، يُفترض أنها منبتّة الصلة بالسياسة، وترفض ما تقوم به الجماعات الإسلامية المختلفة من خلط بين الدين والسياسة. وزارة الأوقاف -على سبيل المثال- لقّنت خطباء المساجد خطباً تحرّم النزول فى يناير، وجلجلت أصوات المشايخ بالآيات والأحاديث التى يستدلون بها على التحريم، وكرر المشهد تلك الآفة التى يقع فيها الكثير من الخطباء، حين يشنّفون آذان المصلين فى المساجد بأهمية الحرص على الصلاة، رغم أن من يجلس إليهم جاء ليصلى!، فوجدناهم يصبون كلاماً حول حرمة النزول والتظاهر فى آذان مواطنين لا يفكر أى منهم لا فى النزول ولا الطلوع!. وعلى نفس الخط دخلت المؤسسات الدينية الأخرى، ومنها هيئة الإفتاء التى أصدرت فتوى رسمية بحرمة الخروج يوم 25 يناير.
المشهد برمته يدعو للرثاء لسبب بسيط، هو أن كل أدوات «التقعيد» استُخدمت قبل ثورة 25 يناير 2011 ولم يمنع ذلك الناس من النزول حين قرروا ذلك، وكل أدوات «التحريض» سبق واستخدمها الإخوان منذ 3 يوليو 2013، ولم ينزل لهم مواطن واحد، بل إن كوادر الجماعة ذاتها بدأت منذ شهور تخلى الشارع وتنبذ فكرة النزول. ثمة مشكلة بنيوية فى تفكير السلطة والمعارضة، والشباب والعواجيز، والينايرجية واليونيجية، وأنصار الاستقرار وأنصار الاستمرار فى الثورة. مشكلة هؤلاء جميعاً أنهم يتصورون أن الشعب مضبوط على «ساعة يدهم»، وهم لا يفهمون أن الناس لا تحتاج إلى تحريض كى تنزل، ولا «تقعيد» لكى تمكث فى البيوت، الشعب يثور وقتما يقرر، ويهدأ حينما يريد. والكل «مظبوط» على ساعة يده!.