المساء
محمد جبريل
ع البحري- حتي لا نفقد هويتنا!!
الحضارة هي نحن. أما المدنية فهي ما نستعمله. الحضارة هي الموروثات. والمدنية هي تطويع ما بين أيدينا من إمكانيات لتطوير حياتنا المعاصرة. لاستحداث المدنية.
الأسهل أن نصنع المدنية. فهي ترتكز إلي منجزات العلم والتكنولوجيا. ولو في إبداعات الآخرين. والوفير من الأموال يوفرها. أما الحضارة. فمن المستحيل أن نصنعها لأنها بدأت في الماضي. والماضي صنعه الأسلاف. وامتد وتواصل إلي الأجيال التالية. سواء عنت به أو أهملته. إنه ـ في النهايةـ تعبير عن الشخصية الحضارية لشعب ما: الدين واللغة والأمثال والعادات والقيم والتقاليد. وخصائص الحياة والعمارة. وعشرات المقومات التي تشكل الملامح المتميزة لشعب ما.
في الغرب. يحرصون علي تأكيد حضارتهم. حتي لو لم تخلف تلك الحضارة أثراً حقيقياً. إنهم يعتزون بلغتهم. بالأغنيات الشعبية. والزي الوطني. والبنايات ذات الخصائص المتميزة. ونمط الحياة القديم. حتي الشعر المستعار الذي ارتداه أعضاء مجلس العموم البريطاني في أولي جلساته. يحرصون علي ارتدائه إلي الآن. المواكب الرسمية للملك أو الملكة. وتبادل أوراق اعتماد ممثلي الدول ـ لا تزال تتم ـ بنفس الكيفية التي كانت تتم بها قبل عشرات السنين. المعاصرة في تقديرهم لا تعني إلغاء الأصالة. والجديد لا يلغي القديم.
ما نصنعه نحن يجب ألا يلغي ما صنعه السابقون. من حقنا الإضافة. لكن ليس من حقنا أن ندير ظهورنا لما كان. ثم ـ وهذا أخطرـ نحاول تقليد الآخرين. فنكرر مأساة الغراب الذي حاول محاكاة الطاووس في مشيته. ونهمل ـ وفلو في حالات التعبير عن الذات القومية ـ لغة التخاطب والكتابة والجلباب والدشداشة والعباءة والأطعمة والنسق المعماري والموسيقي المعبرة عن الذات. عبر تواصل الأجيال.
كم يبدو مؤسفاً أنهم هناك يسرفون في الاحتفاء بالمبني الذي مضي علي إنشائه عشرات السنين. فيعنون به. ويجعلونه مزاراً سياحياً. ونحن نهمل آثارنا التي تعاني الركنة والغربة فوق الأرض المصرية وتحتها. حتي الأثر الهائل لأبي الهول. تغافلنا قيمته كشاهد علي التاريخ. وتصديه لكل المحن التي واجهها علي أيدي العابثين والغزاة. بداية من تحطم أنفه. إلي تعرضه لآثار مياه الصرف الصحي لبنايات نزلة السمان. والأحياء الأخري القريبة. والتي كادت تقوضه. لولا أن فطنت الدولة مؤخراً إلي مسئوليتها!!
اللحاق بالعالم المتقدم هدف نبيل. لكن الحفاظ علي التراث والموروث والهوية. هدف نبيل كذلك. ومن المهم أن نمضي في كلا الاتجاهين. لأن تاريخ الشعوب حلقات. قد تبدو منفصلة. لكنها تتصل بوشائج هي التي تحفظ لكل شعب مقوماته. ووجوده الفاعل في عالمنا الحديث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف