اختلفت الآراء في تقييم مجلس النواب الجديد.. هناك من انتقد الأوضاع التنظيمية التي ظهرت في الجلسة الأولي "الإجرائية" وما بعدها.. وهناك من اعترض علي طريقة تشكيل التحالفات والائتلافات وتوزيع الأدوار.. وهناك من أفزعه المستوي اللغوي لدي القيادات الجديدة للمجلس.. وهناك من توقف طويلاً أمام حركات الاستعراض "الشو" التي قام بها بعض النواب للفت الأنظار. واختطاف الكاميرات.
وفي المقابل هناك من امتدح المجلس لأنه ـ رغم كل شيء ـ صار لدينا في النهاية برلمان يكمل خارطة المستقبل.. وهناك من اعترض علي المعترضين والناقدين.. وحجته في ذلك أن النواب خرجوا من الشعب. وجاءوا بأصوات الناس.. ومن ثم فإنهم بشكل أو بآخر يعبرون عن الذين انتخبوهم وأوصلوهم إلي مقاعدهم.. أما الذين قاطعوا الانتخابات أو تقاعسوا عن المشاركة فلا يجوز لهم أن يبكوا علي اللبن المسكوب.
وفي كل الأحوال هناك اتفاق بين كل الأطراف علي أن النواب أنفسهم مطالبون ببذل جهد كبير لتحسين صورتهم وصورة مجلسهم أمام الرأي العام.. وذلك لن يكون بمنع إذاعة الجلسات. وإنما بتطوير أداء النواب والتزامهم بالتقاليد البرلمانية وتعبيرهم بصدق وإخلاص عن الشارع واحتياجاته في ممارستهم دورهم التشريعي أو دورهم الرقابي علي السلطة التنفيذية.
ومع الإدراك العام بأن معظم هؤلاء النواب جاءوا إلي مواقعهم بطرق وأساليب ووسائل غير سياسية إلا أنهم الآن صاروا مطالبين بمستوي سياسي لائق.. وبامتلاك الأدوات التي تساعدهم علي أداء الدور أو الأدوار المنوطة بهم.. وأول هذه الأدوات اللغة الصحيحة.. لغة التعبير.. فقد اكتشفنا من الكلمة المكتوبة التي ألقاها الدكتور علي عبدالعال. رئيس المجلس. والكلمة التي ألقاها كل من الوكيلين أن اللغة العربية "العادية" ضائعة تماماً في البرلمان.. وأن أحد الوكيلين. المنسوب إلي "الأشراف" يخطئ في قراءة آية قرآنية. تجري علي ألسنة الناس جميعاً.. ويعيد قراءتها أكثر من مرة خطأ. رغم أن بعضهم صححها له.
وليس عيباً أن يأتي هؤلاء بمن يعلمهم القواعد الأولي للغة العربية. لأنهم صاروا اليوم في مواقع قيادية.. وقد يمثلون مصر ومجلس النواب في محافل عربية ودولية.. ثم إن مستوي اللغة مرتبط بمستوي الفهم والإدراك والثقافة.. فكلما ارتقي المستوي الثقافي كانت هناك ضرورة لمستوي أرقي من اللغة.
ويرتبط بذلك مستوي التخاطب بين الأعضاء أنفسهم.. والمفردات المستخدمة في لغة الخطاب.. لابد أن يكون هناك فرق بين الحديث تحت قبة البرلمان. والحديث علي المقاهي.. وقد مل الناس من لغة المنظرة والبجاحة والاستقواء.
ومن الغريب أنه عندما تم تشكيل لجان خاصة لمراجعة القرارات الجمهورية بقوانين التي صدرت خلال العامين الماضيين اكتشفنا مدي التناقض الهائل المقصود في هذا التشكيل. بحيث يأتي إلي كل لجنة من لا يناسبونها.. ويرأسها من لا يمكن أن تتوافق شخصيته مع متطلباتها.. بل إن القوانين التي تعرض علي هذه اللجنة أو تلك لا علاقة لها بالعنوان الذي تحمله.. وعندما لفت أحد رؤساء اللجان نظر رئيس المجلس إلي ذلك. اكتفي بالقول "هذا ليس مهماً.. المهم إقرار القوانين"!!
وبالطبع تم إقرار جميع القوانين في جميع اللجان.. وعندما اعترضت إحدي اللجان علي قانون الخدمة المدنية كنوع من الممارسة الديمقراطية الحرة في البرلمان لم يصمد هذا الاعتراض طويلاً. وانتهي الأمر بسرعة.
وأخيراً.. فإن مجلس النواب ليس عورة. حتي نخفيه عن الأنظار بمنع بث جلساته علي الهواء.. بالعكس. هناك ضرورة لكي يتعرف الجمهور علي أداء نوابه.. والأدوار التي يقومون بها.. ليست هناك أسرار بين الشعب. ومن ينوبون عنه.. ثم إننا في حاجة حقيقية إلي التأكد من أن هذا المجلس الذي جاء بعد عملية ولادة متعسرة سيكون أفضل من كل البرلمانات السابقة.