سلمى قاسم جودة
لحظة وعي .. بطلان العقد السياسي والاجتماعي «25 - 30» الثورة.. الأنثي والقهوة
كانت مصر قبيل 25 يناير أشبه بمدينة النحاس.. مدينة النعاس.. مدينة فصامية.. حبلي بالموات الوجداني.. فقدت حواسها ووعيها، أتقنت التطبيع مع القبح.. الفساد وكراهية الآخر، مدينة النحاس، مدينة كابوسية من مدن ألف ليلة أنزل بأهلها العقاب فتصلبوا، تيبسوا، هجرتهم الحيوية، فالمصري كان يعيش في منطقة وسطي بين الموت والحياة فلا يموت ولا يحيا.. كانت مصر تنتظر الموت فباغتتها الحياة لتحاكي أنثي مليحة.. ست الحسن.. «الجميلة النائمة» انتفضت فائرة، ثائرة تدك الأديم العقيم، الموحش لتنعش وتوقظ الضمير الجمعي المصري المحمل بجينات 7 آلاف عام، الضمير الجمعي المسالم الذي تم تغييبه ليحل الضمير الفردي، العنيف، النرجسي، المعزول عن الوطن، يقضي من الفساد والتطرف والجريمة العائلية المتعملقة وطرا ولينحرف عن باطن العقيدة المجوهرة، 25 يناير لا أحد ينام في الميادين والأزقة..
أشرقت الصحوة ولكن سرقت الثورة بفعل لصوص الثورات والسلطة أي مايعرف «بالكليبتوقراسي» فأطل الربيع الإرهابي، فبزغت الشمس الصباحية 03 يونيو لتسترد مصر.. الهوية.. التاريخ والجغرافيا فكاد الشعب يصحو ولا يجد فحسب سيناء الغالية بل قد لا يجد الدقي والزمالك!! عشية 52 يناير كان لي حديث مع صديق عزيز أقرب إلي مبارزة كلامية قلت له: قلبي المتشح بالكآبة وهواجس المجهول المقبل يكاد يجزم بأن دوام الحال (المايل) من المحال أمر جلل سيحدث سيزلزل القبح الراسخ ، الركود العطن و(الأوليجارشيا) أو القلة المستفيدة، المهيمنة التي تنعق ليلا ونهارا أن النمو الاقتصادي في أزهي حالاته ولكنه يصل إليهم فقط فلا عدالة في توزيع الدخل تصل إلي الشعب المكلوم، قال: لا شيء سيحدث فالفقراء يحبون الرئيس قلت الفقراء في مصر بلغوا من البؤس والغُلب عتيا ومن فرط الحاجة، المرض والجهل لا يدركون فداحة المأساة، فهم يخافون الحياة والموت في آن وليعلم كل مسئول عندما يشرع في اتخاذ قرارات أن هناك ما يسمي بأنواع الفقر، فهناك المعدم والمهمش ثم الفقراء الجدد وهم كثر من هبطوا من الطبقة الوسطي إلي الطبقات الدنيا، فأصبحت الطبقة الوسطي ذاتها أشكالا وأنواعا، فالفقير ليس من يعيش فقط في المقابر، العشش أو العشوائيات بل كل من لا يستطيع أن يلبي الاحتياجات الملحة للحياة عبرنا تلك الأمسية والمبارزة الكلامية المحملة بالتنبؤات واليقين أن التغيير صار ضرورة محتومة، وبعد بقايا الليل سطع نهار 52 يناير وأمواج البشر الدافقة، تتكاثر، تتلاطم ليتحقق هذا الحوار الليلي العجيب وبالفعل اندلعت الشرارة الأولي للثورة وكانت من قبل الشباب المثقف الغاضب ثم التحمت فيما بعد كل فئات الشعب لتصرخ تلك الصرخة المدوية الخالدة التي تكررت في 03 يونيو بأن العقد السياسي والاجتماعي الذي ظل جاثما هو باطل، صرخة أبدية، مألوفة مرجعيتها يعرفها كل مصري وكل عربي قرأها، سمعها في رواية ثروت أباظة الفذة «شيء من الخوف» «جواز عتريس من فؤادة باطل» جواز مصر من الحكم المباركي باطل ثم جواز مصر من الإخوان باطل باطل فصارت فؤادة تلك الأنثي الصامدة بقوة الحق والخير أيقونة المدن والميادين، تلك الأنثي التي ثارت علي الولد الذي صار وحشا فارتوت أرض الدهاشنة بالدم.. «جواز عتريس من فؤادة باطل» أشهر صيحة في الأدب العربي صادحة برفض القهر، والإرهاب. ويبدو أن أغلب ثورات الأرض تعاني من متلازمة ذات الرداء الأحمر والذئب المفترس الذي يتدثر بملابس الجدة الطيبة حتي يكون التمكين فيظهر علي حقيقته حكاية قديمة جديدة حدثت في يناير عندما التهمت الجماعة وأعوانها وأذيالها المأجورة من الخارج والداخل ثمار الثورة وكما يقول نجيب محفوظ: «الثورة يخطط لها الدهاة، ينفذها الشجعان ويستفيد منها الجبناء» فالفاشية الدينية لا تظهر أبدا في إرهاصات الثورات مثلما حدث في إيران فالبداية ثورة الشباب اليساري المثقف لينكشف فيما بعد الوجه والمحرك لثورة إيران بدعم أمريكي أوروبي ويبدو أن المصريين اعتادوا علي الثورة كل 4 أو 5 عقود فنجد ثورة عرابي 1881، ثم 9191، يوليو 25 وأخيرا 52 يناير وابنتها المصلحة 03 يونيو أما محنة يناير لأنها بمثابة الجسد منزوع الرأس أو القيادة أي الوعي، فكان الهاجس هو تقويض وهدم ماهو كائن بدون بناء ومن ثم كان الاختراق من الخارج والداخل فاكتظت المقاهي والميادين بالثوار، الأحرار، بالعملاء والنبلاء، الشرفاء والخونة، بالنساء والشيوخ، باللصوص والكلاب، مقاهي وسط البلد رصعتها القصائد سجينة العيون الحالمة، الواسعة، الناعسة، والطريف أن المقهي والقهوة مكان وشراب ارتبط بكل الثورات التي عبرت التاريخ فالقهوة مثيرة للمشاعر والحماس، منعشة للوعي توقظ الحواس وتدغدغها تحض علي التمرد ومن ثم حرمها رجال الدين وبعض رجال الشرطة في القرون المنصرمة شرقا وغربا! والمقهي رحم المدينة، وطن داخل الوطن حيث الأفكار الجامحة، الصاخبة، فنجد في المحروسة قهوة ريش مرصعة جدرانها بحكايا العشاق والثوار، الأوغاد والأبطال، الأدباء الذين بشروا بالثورات فنجد من مجّدها ومن أدانها ولا أحد يفلت من محاكم الأدب، والفكرة تسبق دوما الثورة تمهد لها. حدث في فرنسا إبان عصر التنوير (العقد الاجتماعي) خطاب عن أصل عدم المساواة لروسو روح القوانين لمونتيسكيو، فولتير الذي نادي بالمستبد العادل، المستنير ثم في مصر (عودة الروح) (السلطان الحائر) لتوفيق الحكيم، (أرض النفاق) ليوسف السباعي و(رد قلبي) أما بعد 52 -03 نستطيع أن ننسب لها رداً عقلياً!! الذي اغتصب بفعل الزواج السري.. السفلي.. العرفي بين نظام مبارك والجماعات المتأسلمة وتلك الصفقة الرجيمة خذوا الشعب واتركوا لي الكرسي معلقا هكذا في الهواء!! الشعب في حتة! والكرسي لوحده في حتة!! ولقد حل طه الشاذلي الإرهابي في أول رواية إخوانية (عمارة يعقوبيان) للدكتور علاء الأسواني مكان أول بطل ثوري في الرواية العربية علي طه «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ، وكانت «أجنحة الفراشة» لمحمد سلماوي و«باب الخروج» لعز الدين شكري، أما من ينكرون أن 52 ـ03 ثورتان فهم نتاج التركيبة المصرية المتعجلة، تفتقد فضيلة الصبر، الإتقان، فالثورة هي التغيير الجذري المتعطش لفترات زمنية مديدة طولا وعرضا وعمقا، افتحوا عيونكم واسعا لا للفضاحيات!! أي الفضائيات سابقا ولكن للثمار المتلألئة للثورة فبالرغم من سلبيات البرلمان لدينا قرابة 001 امرأة، هناك مسيحيون، شباب أقول وأصحاب إمكانيات خاصة لا احتياجات، وكشفت 52 - 03 حقيقة كل من حولنا دمرنا الأنفاق أو الاختراق السفلي لمصر، لدينا الرئيس السيسي هو وشعب 03 يونيو ينادون بتجديد الخطاب الديني هو يتبع الجوهر البديع لسلطان توفيق الحكيم الحائر فلقد اختار القانون لا قوة السيف، اختار التنوير، محاربة الفساد فكان السقوط الرمزي لوزير الزراعة في ميدان التحرير أو ميدان الثورة الذي دافعت عنه بعض القنوات الفضاحية!!
<الرئيس والشعب اختارا أن تحيا مصر وأن ندفع الثمن.