محمد عبد الحافظ
ب٫٫حريه .. «جنينة» مفتري.. أم مُفـتـــــــــــــــرَي عليه؟
بصراحة لست مع الهجمة الشرسة علي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بسبب تقريره وتصريحه عن أن قيمة الفساد في 2015 بلغت 600 مليار جنيه.
الرئيس السيسي كعادته في التعامل مع كل القضايا، أمر بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول تقرير «جنينة» وتكونت اللجنة من ممثلين في وزارة العدل والداخلية وجهاز المحاسبات نفسه، واستغرق عمل اللجنة 14 يوما، خرجت بعدها بتقرير ينسف ما جاء في تقرير «جنينة»، وفندت ردود لجنة تقصي الحقائق كل ملاحظات الجهاز، وأظهرت أن الجهاز بالغ في توصيف وتسمية بنود الـ600 مليار جنيه، وأن هذه الملاحظات شملت مبالغ قديمة منذ عشرات السنين.
وأرسل «جنينة» دراسة للجنة تحت عنوان «دراسة عن تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق علي بعض القطاعات في مصر» وذلك دون أن يشير للمدي الزمني لهذه الدراسة.. وما كان من اللجنة إلا أنها استعانت بعدد من الأساتذة والخبراء في المحاسبة والاقتصاد والإحصاء، وتبين للجنة أن ضمن مبالغ ما أسماه بالفساد 308 مليارات و64 مليونا هي عبارة عن تعديات علي مدينة السادات (174مليارا) منذ إنشائها حتي 2015، رغم أنه تم إزالة هذه التعديات في 2015، وعدم تخصيص هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مساحة خمسة كيلومترات حول كل مدينة كأراضي بناء، مما عطل الاستفادة بهذه الأراضي منذ 35 سنة (عام 1979) بما قيمته (134.64مليار)، وهذان المبلغان يمثلان 50% من المبلغ الذي ذكره تقرير جنينة.. أما النصف الآخر من المبلغ فهو عبارة عما تم من ممارسات حدثت منذ القرن الماضي في أراضي الأوقاف، وتأخر دفع بعض فواتير الشريك الأجنبي في شركات البترول نظرا للخسائر التي تعرضت لها هذه الشركات خلال السنوات الماضية بسبب الظروف الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد.
بالإضافة إلي أن لجنة تقصي الحقائق تلقت شكاوي وملاحظات من عدد من داخل جهاز المحاسبات حول غياب العدالة والشفافية في بعض تقارير الجهاز.
< < <
إلي هذا الحد كان تقرير لجنة تقصي الحقائق موضوعيا وملتزما بمعايير الدقة والرد والتفنيد، ولكنه تجاوز عندما اتهم رئيس جهاز المحاسبات بأن له أهدافا ونوايا وراء إطلاق تصريحه حول مبلغ الفساد «المغلوط»، مما دفع إعلاميين وسياسيين والكثير من «عبده مشتاق» إلي نصب المشانق لرئيس جهاز المحاسبات إلي حد أن البعض وصفه بأنه هو الفاسد، استنادا إلي ما أشارت إليه اللجنة من تساؤل حول هدف وغرض إعلان هذا الرقم في هذا التوقيت.
وتباري كل هؤلاء «المشتاقين» في مهاجمة «جنينة» والدفاع عن النظام والشفافية والمصداقية والحرص علي المال العام الذي يتمتع به النظام، ونسي هؤلاء أن النظام لم يمسه أحد بسوء، ولو كان النظام يشوبه أي شائبة لما بادر بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول تصريح «جنينة» ولما اهتم بالتصريح من الأساس.. ونسوا أيضا أن النظام الذي أحال وزير الزراعة إلي المحاكمة في قضية فساد وهو عضو في الحكومة لم يدار ولم يوائم، والرئيس السيسي الذي يأخذ موقفاً حاداً وعملياً ضد أي فساد أو فاسد لا يحتاج من أحد أن يؤكد أنه ضد الفساد.
< < <
وللأسف جاءت الهجمة علي «جنينة» بنتيجة عكسية، ونسي الرأي العام الأرقام المغلوطة التي جاءت في تصريحات جنينة ـ بقصد أو بدون قصد ـ وانحازوا إليه لأنه من وجهة نظرهم أصبح مظلوما ومفتري عليه، وتداول الرأي العام مقولة إنهم تركوا الفساد وهاجموا من يكشف عن الفساد!
وظني أن هؤلاء وغيرهم لم يطلب منهم النظام التحدث باسمه، بل إنهم تطوعوا من تلقاء أنفسهم كمتحدثين باسم النظام وأوصياء علي الشعب، ولم يتركوا الشعب يقرأ تصريحات «جنينة» ويقرأ رد لجنة تقصي الحقائق ويحكم هو بنفسه.
< < <
الرئيس منذ أن تولي وهو يقدم كل الدعم للأجهزة الرقابية، ويطلب من كل مؤسسات الدولة التعاون معها، وليس من صالح أحد في هذا البلد الأمين أن نطعن في الأجهزة الرقابية.. وإذا كان جنينة قد أخطأ فإن هناك أجهزة أخري من حقها أن تحاسبه.. وكان يمكن أن ينتقد المنتقدون الآلية التي يعمل بها الجهاز وأنه لابد من وضع معايير لإصدار التقارير حتي تخرج معبرة عن كل عام دون الزج بأعوام سابقة حتي لا نحمل أشخاصاً أو مؤسسات أخطاء آخرين أو سابقين.
وخيراً فعل الرئيس عندما أحال الموضوع برمته إلي القضاء، والبرلمان الرقيب الأول.. ولننتظر جميعا حكم القضاء والبرلمان.
آخــــر
كلمـــة
الشعب المصري بعد ثورتين أصبح أكثر نضجاً ليفرق بين الفاسد والشريف