عباس الطرابيلى
هموم مصرية- مافيا القمح.. قتلت أبو القمح
فقدت مصر، وشيعت منذ ساعات، أبوالقمح المصري العالم العظيم الذي اعترف العالم بعلمه.. إلا وطنه مصر.. فقدنا العالم الجليل الدكتور عبدالسلام جمعة، فمن هو هذا الكنز الذي فقدنا.. هو نقيب الزراعيين، ورئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق، ورئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، ورئيس جمعية خريجي المعاهد الزراعية العليا ومعهدي التعاون الزراعي بشبرا الخيمة وأسيوط، رئيس مجلس الحبوب والمحاصيل البقولية، رئيس الشركة الزراعية المصرية لإنتاج التقاوي، ومدير المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ورئيس شعبة الإنتاج النباتي بأكاديمية البحث العلمي، وعضو المجالس القومية المتخصصة، ورئيس شعبة الزراعة والري، وخبير ومستشار الهيئات والمنظمات الدولية، والحائز علي جائزتي الدولة التقديرية والنيل.. انه الدكتور الأستاذ عبدالسلام أحمد جمعة.. والذي نعرفه بصفة واحدة هي «أبوالقمح المصري».
<< ولكن هل شفعت له كل هذه المراكز لكي نحقق أحلام مصر والمصريين في الحد من استيراد القمح، وزيادة إنتاجنا منه.. أم هزمته مافيا استيراد القمح.. وما أبشع هذه المافيا.. التي قتلت هذا العالم الكبير وهل هي بهذه القدرة والقوة حتي تتمكن من القضاء عليه.. حتي مات كمداً وحسرة؟.. أقولها بكل صراحة نعم، هذه المافيا هي أبشع مافيا عرفتها مصر، وفي كل المجالات..حتي قبل مافيا تجميع السيارات!
<< إذا عرفنا السبب.. بطل العجب، كما يقول المثل الشعبي.. لأن مصر أكبر شعب مستهلك للخبز في العالم، مقارنة بعدد السكان، فإذا كانت شعوب شرق وجنوب آسيا شعوباً أرزية أي تعتمد علي الأرز في كل طعامها.. وفيما تشرب.. أو حتي تتحلي.. فإننا في مقدمة الشعوب الخبزية ونحن نستورد حوالي 65٪ أو 70٪ من القمح.. وهذه النسبة تضعنا في مقدمة المستوردين للقمح في العالم، ونستورده من روسيا وأوكرانيا.. وفرنسا وأمريكا والأرجنتين وغيرها.. وندفع المليارات مقابل ذلك.
وكانت مهمة أبوالقمح المصري هي الحد من هذه الواردات.. وزيادة الإنتاج المصري منه، ليس فقط بزيادة المساحة التي نزرعها قمحاً.. بل بزيادة إنتاجية الفدان، أي اختيار الأنواع عالية الإنتاجية والجودة.. في نفس مساحة الأرض التي نزرعها قمحاً، واضعاً في الاعتبار أزمة مياه النيل الحالية.. وهذا بالطبع لا يتفق مع أطماع وجبروت مافيا مستوردي- ونقل- القمح لمصر من العالم.
<< وأكاد أقول إن الرجل مات حسرة.. وقتله الكمد والألم وهو يري حلمه صعب التنفيذ، أمام هذه المافيا.. والغريب أن نجد أول من ينعي هذا العالم الكبير، نجد الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، ولكنه نعاه فقط نقيباً للزراعيين.. ولم ينعه عالماً عالمياً.. رغم كل مجهوداته- غير التقليدية- لزيادة الإنتاج المحلي من القمح.
ولن نتحدث هنا عن شحنات تصل إلي موانينا المصرية هي بالفعل من أسوأ أنواع الأقماح في العالم..ولا تصلح إلا طعاماً للحيوانات والماشية وهم- في بلادها- يفعلون ذلك بالفعل.. ولكننا نتحدث عن مافيا التعاقد علي القمح وما يربحونه بمئات الملايين من الدولارات، ثم مافيا نقل القمح من موانئ الدول المنتجة له.. وهذه وحدها مصدر أساسي للأرباح الرهيبة، وكون منها أعضاء المافيا ثروات هائلة.. ثم مافيا استيراد سيارات نقل القمح الصب من صوامعنا في الموانئ المصرية إلي داخل البلاد.. بل ومافيا استيراد إطارات هذه السيارات والمقطورات.. وهذه المافيا وراء تأخير استخدامنا للنقل النهري للقمح من الموانئ إلي داخل البلاد وتعرقل زيادة نقل القمح بالسكك الحديدية، رغم أن النقل النهري يوفر 30٪ من تكاليف النقل.
<< فهل هذه المافيا أقوي من كل الحكومات التي حكمت مصر في نصف القرن الأخير الذي زادت فيه كارثة استيراد القمح.. وقتل أفكار علمائنا وفي مقدمتهم العالم الجليل الدكتور عبدالسلام جمعة.. وإذا كانت مصر قد شيعت هذا العالم العظيم.. فهل نسمح للمافيا أن تقيم الأفراح بعد أن رحل الرجل عن عالمنا دون أن نحقق حلمه الرائع.. وهو تقليل الاستيراد.. بزيادة الإنتاج المصري.
أليست هذه قضية أولي بالرعاية أمام كل وزراء الزراعة.. بل أمام الحكومات.. وأيضاً الرئيس «السيسي»، لكي نقلل ما أمكن من نزيف أموالنا للاستيراد، هل من حل لنزيد إنتاجنا- من نفس المساحة- لنحقق هذا الأمل.. وإذا كان عميد أساتذة القمح قد رحل مهموماً مصدوماً.. فكيف نمد أيدينا لكل المدرسة العظيمة التي كانت تعمل مع أبوالقمح المصري.
<< أم ليست عندنا- مجرد الرغبة- في حل معضلة استيراد القمح.
ورحم الله الدكتور عبدالسلام جمعة.. ورحم أفكاره وجهوده ونضاله من أجل كل المصريين.. أكبر آكلي الخبز في العالم.