الوطن
سهير جودة
أمة فى خطر مزمن
فى ترتيب سلم العداوات ضد الوطن يأتى الجهل كعدو أول ودائم، فهو مكيدة تهزمنا بجدارة، وهو نفق مفتوح على مصراعيه يمر منه الظلم والنفاق ورعب الإرهاب.

منذ أكثر من 40 عاماً استسلمت مصر للجلوس فى حضن الجهل ينحنى حاضرها من غياب التنوير ووراءه التعليم، ويستأسد الفساد والإرهاب، ويستبد الفكر الظلامى، وينتصر على التفكير، ليذهب الرقى، وتتبدد الحياة، وتبدو الإرادة السياسية فى حالة وهن، رغم رغبتها فى بعث نور العلم بتعليم جيد، ولكن دائماً تبقى محاولات بلا إرادة وآليات تنفيذ ورؤية وكأنهم أوثقوها فى جبال الجهل، فلا تستطيع الفكاك.

هل نتعامل مع العلم والتفكير باعتبارهما فعلاً فاضحاً، ومع التعليم الردىء باعتباره ليس فى الإمكان، ومع الجهل باعتباره حقاً مبيناً.

كل الجبهات مفتوحة علينا من فقر وبطالة وخطاب دينى وإعلام وإرهاب وفساد وانحطاط، هى عرض لمرض ضمور شرايين العلم والتفكير، كلها مشكلات ترجع لانهيار منظومة الثقافة والتعليم.

التعليم هو الهدف الأول الذى يجب أن نتوحد حوله، دولة واقتصاداً ومجتمعاً مدنياً، لو اجتمع الجميع حول هدف التعليم فسيحدث تغيير حقيقى وسنرى أثره مترجماً بوضوح فى كل مجالات الحياة، نور العلم هو الحل لكل مشكلاتنا الأخرى.

التعليم ثم التعليم ثم التعليم، لا بد أن تتحول إليه كل الجهود، وتذهب إليه كل الميزانيات الممكنة لتغييره من حالة بائسة وتعسة إلى حالة تنويرية وعلمية حقيقية.

فى التقدم العلمى حل لكل مشكلاتنا بدءاً من الكهرباء مروراً بالمياه والبطالة والفساد والتطرف وانتهاء بالسلاح.

«محمد على» استطاع بناء نهضة مصر فى أوائل القرن التاسع عشر، عندما جعل الهدف الأول التعليم وإرسال البعثات للدراسة فى فرنسا، تقدمت مصر بفضل استراتيجية التنمية والنهضة العلمية التى انحاز لها «محمد على»، وهذه الرؤية التى مكنته من بناء دولة متقدمة صناعياً وزراعياً وعلمياً.

ثورة 52 أعطت التعليم أهمية خاصة، وتم تعيين طه حسين وزيراً للمعارف بدعوته التعليم كالماء والهواء، ولكن تدهور التعليم فانهارت كل الأشياء فى مصر.

التجربة الماليزية التى صنعها مهاتير محمد عام 1981 انتشلت ماليزيا من تصنيف الدول الفقيرة إلى المارد الآسيوى الذى أصبح واحداً من أقوى النمور الاقتصادية.

فى بداية الثمانينات كانت الظروف فى ماليزيا تشابه ظروفنا ولكن أين نحن منها؟ لماذا لا ندرس تجربة ماليزيا ونطبقها، وبيننا متشابهات كثيرة، فكيف نجح مهاتير محمد فى نقل بلاده من دولة زراعية فقيرة إلى دولة متقدمة ورفع متوسط الدخل فى عام 2002 من 1247 دولاراً إلى 8862، وانخفضت نسبة البطالة 3%. الولايات المتحدة سيدة العالم لم تخجل من الاعتراف علناً عام 1983 بما أصابها من مس الجهل وانهيار التعليم، وقتها أعلن الرئيس «ريجان» صرخته «الأمة فى خطر»، فقد نظر إلى مرتبة التعليم الأمريكى فى التصنيف العالمى فوجدها متدنية واحتل الطلاب مراكز متأخرة، سوء حال التعليم استفز القيادة الأمريكية لإحداث النقلة النوعية فى النظام التعليمى من المحتوى إلى معايير القيادة إلى الدعم المالى وفى عام 1990 كانت الولايات المتحدة تنفذ استراتيجية التعليم الجديدة التى أكدت التلازم بين التعليم والتطور المجتمعى.

ثورة أمريكا على التعليم، لأنها وجدت نظام التعليم فى اليابان وفى كوريا الجنوبية يتفوق على نظام التعليم عندها.

أما نحن فى مصر فالأمة فى خطر، ليس باعتبار ما سيكون، بل ما قد حدث بالفعل، فمنذ سنوات طويلة والوطن فى خطر والتعليم على خطأ، وحاله من أسوأ إلى أسوأ جداً، وإذا استمر هذا الحال فسنبقى فى فوضى الجهل، وسيبقى غياب التنوير والعلم كاسحة ألغاماً تنفجر بسخاء الجهل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف