الأهرام
جمال زهران
ثورة 25 يناير.. أساس الشرعية والمرجعية
يتصور البعض من الواهمين والمنافقين والمتسلقين والانتهازيين وخدام كل نظام، أن أفكار ثورة 25 يناير واعتبارها كأن لم تكن، لصالح ثورة 30 يونيو، هو من الأشياء التى تسهم فى إسعاد نظام الحكم الحالي،
وبالتالى تسرع من التقرب منه، والحصول على المزايا والمنافع أو الحفاظ على الأقل على ما نهبوه من أموال وأراض وعقارات وشركات عامة، استمرارا لنفوذهم ومكانتهم وقوتهم التى لا يريدون لها أن تهتز وكأنه لم تقم ثورة بل ثورتان!! ولذلك كنت من المتنبهين مبكرا فى صياغة الخطاب السياسى العام أن ثورتين قامتا فى مصر، وأن ثورة 30 يونيو امتداد لثورة 25 يناير، وأنه لولا الأخيرة ما قامت أصلا ثورة 30 يونيو.

وحاول البعض من القوى الوطنية أن يطلقوا على ما حدث فى 30 يونيو أنه موجة جديدة لثورة 25 يناير، ورفضت ذلك فى حينه قائلا إنه بالعلم وفقا لفقه الثورة، فإن الثورة تقوم لإسقاط نظام قائم، حيث إن ثورة 25 يناير قامت لإسقاط نظام مبارك (رموزا وسياسات وقواعد حكم)، وأجبرته على التنحي، وتولى المجلس العسكرى السلطة وإدارة شئون البلاد بقوة الأمر الواقع والرضاء الجماهيرى للجيش المصرى الذى يثق فيه الشعب، وليس كما يتصور البعض أن قرار مبارك التنحى عن السلطة وتكليف المجلس العسكرى بذلك، لأن من تسقط عنه السلطة ويعزل لا يمتلك قدرة دستورية أو واقعية على تفويض أحد بالسلطة أو تكليف من يراه.

كما أن ثورة 30 يونيو، هى ثورة، لأن من سرق ثورة 25 يناير ووفقا لصفقات سياسية سميتها فى حينها وليس الآن، «صفقة المثلث الشيطاني»، للرجوع إليها لمن يحب استطاع تأسيس نظام آخر قد يكون امتدادا لنظام مبارك أو الوجه الآخر له، حيث تم تكوين برلمان، ورئيس، ودستور، وبالتالى أصبحنا أمام نظام حكم حقيقي، رفضه الشعب فثار عليه وسعى لإسقاطه وهو ما حدث فعلا وترجم إلى خطوات عملية فى 3 يوليو 2013، قد نختلف أو نتفق مع مضمونها، إلا أنها كانت أساسا لنقل الشرعية تجسيدا لإرادة شعبية. وبالتالى أصبحنا أمام ثورتين متتابعتين فى أقل من عامين ونصف (25 يناير 2011 ـ 30 يونيو 2013م).

وقد جسد الشعب إرادة الشعب المصرى الساعى للتغيير الجذري، فى دستور 2014م، وأقر الثورتين، ولا مناص أمام أحد أن ينكر الدستور كاملا، إلا أن يجلس فى منزله ويعتزل الحياة العامة، وإلا عليه تحمل تبعات الرفض الشعبى له، لأن الشعب يحترم نفسه وثورتيه.فليس بالمال والإعلام والصوت العالى والبلطجة السياسية والتنطع الخالى من القيم والتقاليد والأخلاق فى ممارسة العمل العام، يمكن التشويش على الإرادة الشعبية ومحاولة تزييف الوعى العام لجماهير هذا الشعب الصابرة المكافحة الساعية لغد أفضل، وتحرر من كل أباطرة المال والإعلام وكل فنون البلطجة وأنواعها.

وبمناسبة العيد الخامس لثورة 25 يناير التى ينكرها الجاحدون الكارهون لهذا الشعب، والزاعمون أنهم يمثلونه وهذا مستحيل بطبيعة الحال، أذكر بالعديد من الأمور الهامة هي:

1 ـ أن مصر شهدت ثورتين هما 25 يناير، 30 يونيو، وكلتاهما استهدفت إسقاط نظامين قائمين بالفعل، الأولى استهدفت إسقاط نظام مبارك، والثانية: إسقاط نظام الإخوان، وليس معقولا إنكار واحدة لحساب الأخرى إلا من أصحاب الأجندات الأجنبية ودولة الفساد.

2 ـ أن استحضار عدد من رموز مبارك فى المشهد، بين وزير، أو رئيس مصلحة، أو عضو فى البرلمان، أو جعله فى صدارة الندوات ومنصات الإعلام، وعلى برامج عدد من الوزراء بخط أيديهم، هى جريمة سياسية كبرى سيدفع الشعب ثمنها، وهو غاضب لذلك الحادث بإرادة أجهزة وأشخاص ووزراء فى الحكومة، ولذلك جاء البرلمان حصادا لهذا النهج وهو خيار سييء، والتدهور فى الاقتصاد، وعدم نجاح الحكومة، هو نتيجة هذا بوضوح. وهنا فإن وزراء الثقافة والشباب والتعليم والإعلام الرسمى (تليفزيون وصحافة) عليهم مراجعة ما يتم فى وزاراتهم، وإلا فانتظروا الكارثة. فهل معقول استحضار رموز مبارك على منصات وصالونات وزارة الثقافة ليخاطبوا الشعب والشباب، ثم نقول: «هم الشباب غاضب ليه؟ ويحدث هذا فى تليفزيون الدولة فى جميع القنوات بلا استثناء، مع إنكار تام لقوى التغيير وكأن مصر لم تحدث بها ثورتان، وليس بها إلا رجال مبارك؟! وقد سألت البعض، فقال لي: إنها طبيعة المرحلة!! أية مرحلة تلك الناكرة للشرعية والمرجعية؟!

3 ـ أن أساس شرعية الحكم، ثورتا 25 يناير، 30 يونيو، وعدم الوفاء لهما، هو إهدار لمرجعية الثورتين كقاعدة للشرعية السياسية التى منحها الشعب لمن يحكم مصر الآن.

4 ـ أن ترك الأمور بإهانة إحدى الثورتين، دون رادع، خيار خاطيء، أساسه تمييع المرحلة، وإسباغ صفة «السيولة السياسية»، وهو خيار مجهد ومستنزف للقوى والموارد، وإضاعة الفرصة على التعبئة السياسية الشاملة لكل قوى الشعب من أجل البناء والتنمية.

5 ـ أن الإبقاء على البعض من الإخوان فى مراكز قيادية بالجامعات مثلا وغيرها، وإتاحة الفرصة أمام السلفيين، بالمقايضة والصفقات، هو خيار خاطيء وأثبت الشعب المصرى رفضه لذلك (11 سلفيا فقط عبروا محنة الانتخابات البرلمانية تأكيدا لذلك).

وأن المراهنة على هؤلاء، وعلى السلفيين وإتاحة الفرصة لمن يسمون أنفسهم بالمنشقين عن الإخوان)، رهان خاسر تمارسه أجهزة رسمية بما يتعارض مع شرعية الحكم ومرجعيته المتمثلة فى إرادة الشعب فى التغيير فى 25 يناير، 30 يونيو، كما قال ذلك الرئيس السيسى فى أكثر من حديث.

ـ ولذلك فإن من يرى عدم القسم على الدستور بحجة أنه ضد ثورة 25 يناير ويكرهها، كالقاضى الذى يفصح عن رأيه فى القضية أثناء تداولها أمامه، تنقضى شرعيته، وبالتالى فإن إسقاط العضوية النيابية على من أفصح عن عدائه لثورة 25 يناير وكراهيته لها، واجبة وحتمية، لأنه رفض احترام دستور أقره الشعب وعليه أن يذهب إلى بيته، وعلى السلطة إعلان موقف واضح.

وأخيرا لا يجب طرح أن 25 يناير ثورة أم مؤامرة، فهى ثورة حقيقية، وعلميا، وتاريخيا، والواجب طرحه هو ما وقعت فيه الثورة من أخطاء ومن تآمروا عليها من 11 فبراير 2011م وللآن، وهو حديث آخر. فالثورة مستمرة حتى النصر وتحقيق كل متطلباتها بإذن الله.

وما زال الحديث متصلا
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف