المساء
نبيل فكرى
مساء الأمل .. "هات من الآخر"
كثير من مشاكلنا سببها أن المسئولين يعيشونها علي الورق.. تأتيهم البيوت والمياه والكهرباء في "البوستة". لكنها بين الناس فيها حكايات وتفاصيل ودراما.. فيها موت وحياة وعطش وظلام في النفس قبل أن يكون في مصباح بالسقف. وحتي عندما نلم بتلك المشاكل نتعامل معها بذات الإيقاع القديم.. البطيء والمهتريء.. نتعامل معها يدوياً ونحن في القرن الحادي والعشرين. وقد نواصل التمسك بشعار مضي ولم يعد له وجود وسقط فعلياً بين الناس.. فقط لأنه لا أحد يريد أن يتحمل ضريبة أن يكون في أول الصف.. لا أحد يريد أن يكون مدهشاً حتي لو كلفته تلك الدهشة خسائر علي المدي القريب.
من أوضح النماذج في ذلك. أزمة التعامل مع التعديات علي الأراضي الزراعية. والتي صارت واقعاً وبيوتاً ومصانع ومحلات وشركات.. صارت لها جذور وعمالة وناس.. صارت أمتن وأقوي في الأرض من حال وزراء عدة. جاءوا بعدها أو أثناءها. وسيرحلون وتبقي تلك البيوت وتلك المحلات. وبالرغم من أن المشكلة قديمة ومتأصلة إلا أن الحل دائماً معاد. وإن شئت الحقيقة فهو لم يكن أبداً حلاً في يوم من الأيام.. كان دائماً معضلة أن نهدم وأن تدخل الدولة في صدام مع واحد من أبنائها يري مبرراً وجيهاً فيما قام به.. علي الأقل ضاقت الدار بالعيال وأضنته السنين في البحث لهم عن مسكن.
لدينا في البحيرة.. طريق طويل يمتد لعشرات الكيلومترات. يمتد من دمنهور إلي الصحراوي. ليربط الأخير بالزراعي.. هذا الطريق أصبح مأهولاً بالعمران.. بالبيوت والمكاتب والمصانع والمحلات علي جانبيه. ومعظم من فيه إن لم يكونوا جميعاً حصلوا علي الكهرباء والمياه.. إن لم يكن بـ "الممارسة" التي ابتدعتها الكهرباء أيضاً. أو بأي طريقة أخري.. المهم أن التعديات علي الطريق وصلت إلي حرم الطريق نفسه منذ عقود. والأنكي أن الحكومة نفسها حين أرادت أن تبني أرضاً تخصها علي الطريق جارت علي حرم الطريق فمنحت الشرعية للجميع.
المهم. وحتي لا نستمر كثيراً في المشكلة. من وجهة نظري المتواضعة. أقول لكل مسئول لديه إشكاليات مشابهة "هات من الآخر".. تعامل مع تلك المشاكل باعتبارها إجبارية. فلا من بني سيهدم. ولا الحكومة تريد أن تخوض صراعاً مع ملايين ممن بنوا علي الأراضي الزراعية. وساعتها قد نوفر مورداً هائلاً للدخل في كل محافظة يعينها علي القيام بأعبائها الأخري.. بمعني أن تحصل الدولة علي حقها عن الخدمات وشبكات الصرف والمياه والطرق من كل من بني علي أرض زراعية.. يختلف الأمر في حالة السكن عنه في حالة التجارة والمشروعات. علي أن يسبق ذلك قانون رادع قابل للتطبيق وليس للتسويق. ومع كل هذا تكون الدولة حاضرة ومتابعة لتطورات "الأحوزة العمرانية" أولاً بأول. فليس مقبولاً أن يظل تخطيط البلاد علي حاله منذ عقود. وأن نترك الناس تئن من حالها.
هذا المنطق "هات من الآخر" يمكن تطبيقه في كثير من الأمور. لنريح ونستريح.. في الدروس الخصوصية التي باتت من مفردات الحياة المصرية ونظن أن بإمكاننا القضاء عليها.. في تراخيص المشروعات. وغيرهما.. علينا أن نفكر كما يفكر الناس.. علينا أن ننسف حماماتنا القديمة. لأن "المجاري طفحت"
ہہ ما قبل الصباح
العاقل من أدرك زمانه.. تُري ما نحن؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف