اقترنت رؤيتي لصورة الفنان الراحل عبدالعزيز مكيوي بنبأ رحيله عن عالمنا. أفزعتني الصورة. هذا هو التعبير الحقيقي لمشاعري في تلك اللحظة.
تماوجت في ذاكرتي ملامح نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف وسعاد حسني وحمدي أحمد وعبدالعزيز مكيوي وتوفيق الدقن وأحمد مظهر وعقيلة راتب
وشفيق نور الدين. من صاغوا قاهرة نجيب محفوظ الجديدة بعد أن تحولت إلي فيلم باسم "القاهرة 30" هو الآن من كلاسيكيات السينما العربية.
التقيت حمدي أحمد ـ فترة العروض الأولي للفيلم ـ في قهوة متاتيا بالعتبة قبل أن تزيلها معاول الهدم. فتزيل أثراً تاريخياً كان الأفغاني ـ علي حد تعبير كامل
الشناوي ـ يستنشق فيه السعوط بيمناه. ويوزع الثروة بيسراه. نسب حمدي فضل نجاحه في أداء دور شخصية الانتهازي محجوب عبدالدايم إلي إبداع
محفوظ. والفنية المقتدرة لأبي سيف. أضاف في تأثر: ظني ان تجسيد عبدالعزيز مكيوي لشخصية الثوري علي طه هو المقابل المهم لشخصية محجوب
عبدالدايم. نحن نتعرف إلي شخصية ما بالشخصية التي تقابلها. تخالفها في الرأي والسلوكيات. فيتحقق المعني الذي يريده العمل الدرامي. بضدها ـ كما يقال ـ
تعرف الأشياء. الصراع هو الذي يحقق للعمل ديناميته وتطوره.
تابعت ـ منذ ذلك اللقاء البعيد ـ أخبار الثاني حمدي أحمد وعبدالعزيز مكيوي. أتاحت لي صداقة حمدي متابعة اسهاماته في الفن والسياسة. واقتصرت متابعتي
لمكيوي علي ما تنشره الصحف من أخبار لا تحسن تقديمه في صورة تقارب ما طالعنا به في القاهرة .30 كأنه يبحث عن نفسه في طرق حافلة بالعثرات.
وداخل متابعتي أسي لما تحدثت المواقع الإلكترونية عن الحالة النفسية التي يعاني تأثيراتها. قيلت روايات كثيرة. تلاشت. وفرضت الصورة الحقيقية نفسها في
الشيخ ذي الذقن الطويلة المهوشة. والنظرات الذاهلة.
لا أدري لماذا تذكرت نجيب سرور في أيامه الأخيرة. كان يمشي ـ بلا هدف ـ في شوارع القاهرة. المجذوب الذي لا يعي ما حوله. يتجه إلي المارة يسألهم
الصدقة. لا يفرق إن كانوا من المارة العاديين. أم من أصدقائه الفنانين والأدباء. فهم مجرد أدوات تسد جوعه!
ذلك هو ما عاناه عبدالعزيز مكيوي. سيناريو سخيف. متكرر. الأسخف اننا نحاول تجاوز لامبالاتنا وتقاعسنا. فنبالغ في الثناء علي الراحل.
ادراك المسئولية يلزمنا أن ننظر إلي مشكلات الجماعة التي ننتمي اليها. حتي المشكلات الشخصية هي مسئوليتنا. لا نهمل تفاقم المشكلة حتي يصعب حلها. لا
تظهر أمراض المبدعين النفسية أو العضوية بين يوم وليلة. لها نذرها ومراحلها التي تتطلب المبادرة بالعلاج. لا نسكت عن "الحالة" قبل أن يقتصر دورنا
علي الاعتذار عن خطأ السكوت. والإسراف في الكلمات المؤنبة!
لماذا يطول انتظارنا وإهمالنا حتي يختطف الموت نجوماً أثروا حياتنا. وكانوا يستحقون الرعاية؟ ما قيمة الكلمات المعتذرة التي لا تعدو تعبيراً عن الاحساس
بالذنب؟!.