مصطفى شفيق
من قلبى .. من يبلغ «مغازى» سد النهضة... ملف غير إعلامى؟!
«زيناوى» عرض على مصر مشروعات مشتركة فى حواره مع «المناوى» لكن «مبارك» تجاهله
ماذا يحدث فى سد النهضة؟... وبتعديل صيغة السؤال ماذا يفعل وزير الرى فى هذا الملف؟... كل يوم يتحدث بشكل ... كل يوم تصريح يزيد قلق الناس... الوزير يجد فى هذا الملف مادة إعلامية مقروءة فلا يفوت فرصة إلا ويتحدث عن سد النهضة... كل أحاديثه تدعو للقلق... كل كلماته تقول إننا سنجوع... ونعطش... ونتعرى... تارة اتفقنا على نقاط محددة... وأخرى الكلام ليس نهائيا... قريبا نستكمل المناقشات... الموعد النهائى آخر يناير... قد يمتد أسبوعا آخر... كلام لا يريح ولا ينهى قلقاً... ومثل هذا الأسلوب يجعل القضية مائعة... أو يعطى انطباعا لدى الشارع أننا أمام دولة لا تفهم أخطر ملفاتها... وأكبر تهديد للشعب... ولخطط التنمية التى تسعى الدولة لإنقاذ الاقتصاد بها... ولمشروع المليون ونصف المليون فدان.
ما أعرفه – ويعرفه الشعب- أن اهتمام الدولة بملف سد النهضة يفوق تصريحات مغازى... وأن الرئيس السيسى نفسه يتابع هذا الملف بصورة دائمة... ويعتبره ملف حياة أو موت... وما أعرفه ويعرفه الشعب أيضا أن هناك متحدثا رسميا مسئولا عن هذا الملف... صحيح أن هذا المتحدث هو الدكتور علاء ياسين مستشار وزيرالرى لشئون السدود... وأن الدكتور مغازى وزير الرى رئيسه المباشر... لكن ليس معنى هذا أن يتحول مغازى إلى مصدر قلق دائم بتصريحاته المتتالية... والمتناقضة... وعليه أن يترك الفرصة لمستشاره لشئون السدود للحديث... وأن يتفرغ هو لشئون الوزارة الأخرى ومنها حماية النيل من ملوثاته... منها تدشين حملة قوية... وفاعلة... تدعو المواطن لترشيد استخدامات المياه النظيفة... والعكرة.. وفى هذا الصدد لجأت الحكومة... وشركات توزيع المياه إلى الحل الأسهل... إلى إلقاء المسئولية على المواطن... رفعت أسعار المياه لمرات.. وسترفعها من مارس القادم... ولن يتم الترشيد برفع أسعار مياه الشرب وتعذيب الناس... وليس الحل فى فرض رسوم على مياه الرى التى يستخدمها الفلاح... فتلك القرارات الفوقية ستدفع المواطن إلى الامتناع عن دفع فواتير المياه... ولو أن شركات المياه أنصفت نفسها لأذاعت حجم مديونياتها لدى المواطن... ولدى الشركات... وكلها ديون مشكوك فى تحصيلها... وهذه القرارات الفوقية أيضا هى التى تدفع كثيرا من فقراء –وأحيانا – متوسطى الحال إلى سرقة ماسورة مياه يغذى بها بيته بعيداً عن فواتير الحكومة.
قضية سد النهضة هى قضية وطن... والتعامل معها بمنطق الظهور الإعلامى أضاع القضية... وأضاع حقوق مصر... ودور الإعلام فى هذه القضية ليس بروزة الوزير... ودور الوزير ليس ممارسة التصريحات الساخنة... والمتضاربة... فما نتفاوض عليه اليوم...رفضناه بالأمس فى عجرفة وتعالٍ... فى العام 2010 أجرى الإعلامى العبقرى عبد اللطيف المناوى حوارا رائعا مع ميليس زيناوى رئيس وزراء إثيوبيا الراحل... زيناوى عرض فى حواره ما نتفاوض عليه اليوم... نظام مبارك لم يتلق الرسالة... أو ربما تلقاها لكنه تعامل معها باستعلاء وتكبر... زيناوى قال إن العلاقات بين إثيوبيا ومصر تشبه الزواج الكاثوليكى... وقال إن دول النيل لا تقبل التعامل مع مصر والسودان بمنطق «شحاتة» مياه النيل... لكننا جميعا شركاء... ودعا زيناوى فى حواره مصر والسودان إلى الانخراط فى مشروعات مشتركة مع إثيوبيا يستفيد منها الجميع... وقال أيضا ما يقوله وزير الرى الإثيوبى اليوم إن بلاده لن توقف بناء سد النهضة لأنه مشروع تنموى.
قد يقول البعض إن زيناوى لم يكن صادق النية... وأعلم أنه كان مهندس اتفاقية عنتيبى... ومهندس سد النهضة... لكن ذلك لن يغير الوضع اليوم... لأننا ما زلنا نتهم إثيوبيا باستخدام أساليب تسويفية فى المباحثات... ولأننا لم نلتقط الخيط لنشد منه زيناوى إلى ما نريد... لم نعرض المشاركة فى بناء السد... ولا فى إدارته... ولا فى نقل خبرتنا إلى الإثيوبيين... وكما تعامل نظام مبارك مع الشعب من برج عاجى... تعامل مع قضية السد أيضا من برج عاجى حتى وجد نفسه محبوسا فى هذا البرج .
لقد غير السيسى استراتيجية التعامل مع قضية سد النهضة... وعاد بها إلى التفاوض وفقا لمبدأ «الكل كسبان» وهو المبدأ الأقرب والأضمن لكسب المفاوضات... وهو أيضا المبدأ الذى يفهمه رجال الدبلوماسية أكثر من غيرهم... لأنك ببساطة لن تتفاوض لتخسر... ولن تسكت لتكسب... لكن بالحوار يمكن أن تحل كل القضايا والمشاكل... المهم أن نبتعد بها عن الاستغلال الإعلامى... واللعب على وتر الاهتمام الشعبى بالقضية... لأن هذا اللعب لن يطيح إلا بصاحبه.