المساء
مؤمن الهباء
شهادة- هكذا يكون الإنسان إنساناً
فقدت مصر يوم الاثنين 11 يناير الجاري رجلاً عظيماً بكل ما تعنيه كلمة "العظمة".. صحيح أنه لم يكن زعيماً سياسياً مشهوراً.. ولا نجماً سينمائياً أو رياضياً.. لم تنشغل به الفضائيات.. ولم تتصدر صورته الصفحات الأولي بالجرائد وأغلفة المجلات.. لكنه كان عظيماً عند كل من عرفه من الناس وكل من سمع به وقرأ عن انجازاته.. وسيظل عظيماً عند من يتعرف عليه في قادم الأيام.. وأظنه إن شاء الله عظيماً كريماً عند ربه.. بما ترك من عمل صالح ينفع الناس.
إنه المهندس صلاح عطية ابن قرية "تفهنا الأشراف" مركز ميت غمر محافظة الدقهلية.. الذي لم يسمع الناس عنه شيئاً في حياته.. ولم تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت بانجازاته إلا بعد أن انتقل إلي جوار ربه.. فاكتشفنا أننا أمام نموذج نادر وقدوة صالحة.. كان إضافة جيدة للحياة ولم يكن عبئاً عليها.. أخذ من رزق الله ما يكفيه وأعطي من رزق الله ما وسعه العطاء فكان مثالاً للإنسان حيث يكون إنساناً حقاً.. لم يكن فاسداً في الأرض ولا مفسداً.. وهذا يكفيه.
لم أتشرف بمعرفته في حياته - للأسف الشديد - علي كثرة ما عرفت من أهل الخير والصلاح.. ولم أقرأ عنه - للأسف الشديد - إلا بعد وفاته.. ففوجئت بشخصية إنسانية عظيمة رائعة في غاية الثراء.. تستحق أن يكتب عنها مرات ومرات حتي يتأكد الناس أن الدنيا مازالت بخير.. وأن مصر غنية بأبنائها المخلصين.. وإن كانوا هم الأقل حظاً في الشهرة والانتشار.
تقول السيرة الذاتية إن المهندس الزراعي صلاح عطية ولد فقيراً في تفهنا الأشراف عام ..1944 تعلم بجهود مضنية من والديه الفقيرين.. لم يلبس يوماً ملابس جديدة بل كلها مستعملة وقديمة.. بل بالية.. مقاس حذائه "42" لكنه يلبس "44" لأن أباه يعمل حساب الأعوام القادمة فلن يقدر علي شراء حذاء له كل عام.. وحين أراد أن يبدأ حياته العملية مع مجموعة من زملائه بالقرية بعد التخرج اتجهوا إلي مشروع لتربية الدواجن حسب خبراتهم العملية.. وجمع كل واحد منهم 200 جنيه مصري.. وانطلق المشروع بنجاح وحقق مكاسب كبيرة.. وفي كل عام تزداد الأرباح وتتضاعف.. والشركاء يحرصون علي إخراج حق الله من هذه الأرباح.. فقد جعلوا لله سهماً في مشروعهم هذا والمشروعات الأخري التي دخلوا فيها.. ولكن كيف يصرف حق الله وسهمه؟!
تم إنشاء معهد ديني ابتدائي للبنين ثم معهد ديني ابتدائي للبنات.. وبعدها تم إنشاء معهد ديني إعدادي للبنين ثم معهد ديني إعدادي للبنات.. وبعدها معهد ديني ثانوي للبنين ثم معهد ديني ثانوي للبنات.. وتوالت الأرباح وتوالت الانجازات.. فتم إنشاء عدد من المساجد والمعاهد في بعض المحافظات.. وإنشاء 3 مصانع وقفاً للنفقة علي هذه الأبنية.. ولأول مرة يتم إنشاء 4 كليات في قرية صغيرة.. وبناء محطة للقطار في بلدته بالجهود الذاتية.. وأنشأ بيتاً للطالبات يسع 600 طالبة وبيتاً للطلبة يسع ألف طالب بالقرية.
تم عمل بيت مال لتمويل المشروعات الأهلية.. ولم يعد هناك فقير واحد بالقرية.. وتم تعميم التجربة علي القري المجاورة.. ولم يزر المهندس صلاح عطية قرية وغادرها إلا وعمل بها بيتاً للمال يساعد الفقراء والأرامل وغيرهم من الشباب العاطل لإقامة مشاريع تغنيهم وتعفهم.. في موسم تصدير الخضراوات للخارج يتم عمل أكياس بها خضراوات توزع علي جميع أهل القرية.. كبيرهم وصغيرهم كهدية.. ويقام إفطار جماعي أول أيام رمضان.. كما يتم تجهيز البنات اليتامي للزواج.
لو تصورنا أن كل مقتدر في مصر اقتدي بهذا النموذج الإنساني الرفيع.. تري ماذا سيكون عليه حالنا؟!.. المؤكد لن يكون لدينا عاطل ولا جائع ولا متشرد.. ولن نقرأ حكايات الحوادث المفجعة في الصحف.. وسيشعر الناس بالأمن والاستقرار.
هل يمكن أن يتم تكريم المهندس صلاح عطية ولو بعد وفاته.. ويمنح اسمه أعلي جائزة وأرفع وسام في مصر.. وأن يخصص عائد الجائزة لاستكمال المشروعات التي بدأها.. ولنقول لرجال الأعمال هكذا يكون الإنسان إنساناً.. فالمال لا يفيد صاحبه إلا بقدر ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
رحمك الله رحمة واسعة.. يا أيها الإنسان العظيم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف