عباس الطرابيلى
هموم مصرية- حرام.. الغاز مصدر للطاقة
حتى منتصف سبعينيات القرن الماضى كانت شركات البحث عن البترول تندب حظها، إذا خرج من البئر المكتشفة غاز طبيعى، ولم يخرج البترول الخام، ولهذا كانت هذه الشركات ـ فى العالم كله ـ تحرق هذا الغاز فى الهواء ـ وهذا كان سر شعلات الغاز المشتعلة فوق الآبار فى دول الخليج ـ أو كانت بعض الشركات تعيد حقن هذا الغاز فى ابار البترول الخام لكى تزيد من الضغط على البترول فيساعد ذلك على سهولة استخراج البترول، تمامًا كما لجأنا نحن ـ فى حقول خليج السويس ـ إلى أسلوب الحقن بالماء.. ليزداد الضغط فى حقول البترول.. ونسحب أكبر كمية من خام البترول فى الحقل أو فى المكمن.. وهكذا.. وكان الغاز يخرج مصاحبًا للبترول الخام فى نفس البئر.. أو نجد أن الغاز نفسه هو ما يخرج من فوهة البئر.
<< ومع زيادة الطلب على الطاقة بدأ التفكير فى استخدام هذا الغاز كمصدر للطاقة، سواء فى توليد الكهرباء ولذلك عرفنا محطات الكهرباء الغازية وهى غير المحطات البخارية.. أو أيضًا فى صناعة الأسمنت والحديد والصلب والزجاج والسماد، وغيرها.. وشيئًا فشيئًا عرفنا تحويل الغاز إلى سماد.. وفى مصر مصانع لذلك أشهرها ما هو موجود عند مدينة طلخا، قرب المنصورة.. وأحدها فى ميناء دمياط وثالثها قرب ادكو.. وللحقيقة عرفت دول الخليج قيمة هذا الغاز مبكرًا ولكن فى أسلوب آخر هو «الصناعات البتروكيماوية»، وكانت أبوظبى فى مقدمة الدول التى اقامت صناعة هائلة على الغاز فى المنطقة الغربية وأيضًا دولة قطر.. ثم السعودية وهكذا.
<<ولكن ظل غاز سيبيريا الروسى ـ وهو انتاج عملاق ـ يتدفق إلى شمال وشمال غرب أوروبا.. وكذلك غازات بحر الشمال بين بريطانيا والنرويج من المياه العميقة فى بحر الشمال.
وفى مصر توسعنا فى استخدام الغاز كمصدر للطاقة.. فى قطاعى توليد الكهرباء ولذلك عرفنا توسعًا فى انشاء محطات توليد تعتمد على الغاز قرب دمياط «محطة كفر البطيخ» وطلخا الغازية وشبرا الخيمة العملاقة.. بل تنفذ شركة سيمنس الألمانية مشروعًا عملاقًا لإقامة ثلاث محطات لتوليد الكهرباء تعتمد كلها على الغاز!! لسبب وحيد هو سرعة انتاج الكهرباء لنحل مشكلة الطاقة، خصوصًا فى الصيف.
ثم نحن توسعنا فى برنامج توصيل الغاز الطبيعى إلى البيوت.. لنحل مشكلة أنابيب البوتاجاز.. وهذا حق للمواطن. ولكن المشكلة هى فى استخدام الغاز فى الصناعة وبالذات فى مصانع الأسمنت وهى الأكثر استهلاكًا.. ومصانع السماد فى كيما وغيرها للتشغيل وليس استخدامها كمصدر للانتاج.. ومصانع الحديد والصلب وغيرها.
<< وبسبب توسعنا فى استخدام الغاز كمصدر للطاقة.. واجهنا ـ ومازلنا نواجه.. مشاكل الطاقة، بعد أن هبط انتاجنا من الغاز.. ومن البترول ـ وأصبحنا دولة مستوردة لهما، بعد أن كنا من المنتجين.. ولو مساعدات الاشقاء فى السعودية والامارات والكويت ـ وتسهيلات الجزائر لنا فى الحصول على الغاز الجزائرى لزادت مشاكلنا مع الطاقة.
ولكن بعد الاعلان عن كشوف الغاز فى شرق البحر المتوسط أصبح عندنا أمل كبير فى أن نتوقف عن الاستيراد.. وهنا يأتى السؤال: هل نعود إلى تصدير الغاز لتساهم عائدات التصدير فى تخفيف العجز المالى.. أم نتجه إلى تحويل الغاز إلى مئات، بل ألوف المنتجات، التى يحتاجها الانسان.. وبذلك نقيم صناعات بتروكيماوية متطورة هى بالفعل اساس للعديد من الصناعات الضرورية ونظرة واحدة إلى هذه الصناعات فى جنوب بورسعيد وغربها.. وأيضًا فى منطقة العين السخنة تؤكد صحة ما نطالب به.
<< ولتحقيق التوازن.. نقترح الا تزيد نسبة المخصص من الغاز كمصدر للطاقة على 30٪ والباقى يتم تحويله إلى مواد خام من خلال هذه الصناعات البتروكيماوية.. وهى من أهم صناعات المستقبل.. بشرط توفير سبل السلامة والأمان للمجتمع.. من خلال حماية البيئة من أى تلوث ينتج عن هذه الصناعات ومازلت أتذكر الحملات الشديدة التى واجهت مصانع موبيكو فى ميناء دمياط.
ولكن المشكلة تكمن فى أن انخفاض أسعار البترول والغاز إلى ما دون 28 دولارًا للبرميل،بعد أن كانت عام 2005 حول 120 دولارًا هذا التخفيض يشجع الناس ـ فى مصر وغيرها ـ على استيراد واستخدام الغاز كمصدر للطاقة.
<< وعلينا هنا أن نحسب عائداتنا من استخدام الغاز كمصدر للطاقة.. وما يمكن أن نحصل عليه من عائدات إذا استخدمنا الغاز كمصدر للصناعات الحديثة.. وبالمناسبة أتذكر أن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوى أطلق صيحة لوقف اشعال الغاز وتحويله كمصدر للصناعة منذ منتصف السبعينيات ولكن كان انخفاض أسعار البترول يشجع على استمرار إحراقه.. الآن الوضع تغير واختلف. واسألوا رجال الصناعة البترولية فى مصر الذين تقوم صناعاتهم على هذا الغاز.