خيرية البشلاوى
رنات-"أوسكار" شاهقة البياض
لا أثر لأي أمريكي من أصول أفريقية ضمن ترشيحات الأوسكار 2016 ولا مكان لممثل أو ممثلة ضمن العشرين الذين بقوا علي القائمة القصيرة لهذه الترشيحات.. ولا أثر كذلك لمخرجين أو مخرجات.. "البياض الشاهق" إذن وأعضاء الأكاديمية الذين وصل عددهم إلي نحو ستة آلاف والمفترض أنهم من قاموا بالتصويت تحاصلوا "السود" علما بأن هناك أعدادا كبيرة من السود في المشهد السينمائي لعام 2015
وقد أعلن الممثل ويل سميث وزوجته مقاطعتهما لحفل الأوسكار وكذلك أعلن سبايك لي المخرج والمنتج والممثل الذي اتهم سابقا بمعاداة السامية وجاء في دفاعه عن هذه التهمة.. إنه لا أحد بمقدوره معاداة السامية في صناعة يسيطر عليها اليهود.. وتبنت نفس الموقف المغنية والممثلة ووبي جولدبرج.
كثيرون علقوا علي غياب صيغة "التنوع" في اختيارات الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصور المتحركة المانحة "للأوسكار".. واتسع الجدل ليشمل واقع الصناعة برمتها.. وكثيرون اعادوا ما سبق أن قرأناه من مصادر عديدة أن الذين يصوتون ولا يشاهدون الأفلام علي الاطلاق والوكلاء عنهم هم من يقومون بالاختيار.
فعلي الرغم من النجاح الذي حققه الممثلون والمخرجون السود في عام 2015 لم يحظ أي منهم بالترشيح من الأكاديمية هذه السنة بعض هذا النجاح تحقق من خلال فيلم مثل "سترين اونا كومبتون" الذي يعالج حياة خمسة من الشباب المقموعين في احد احياء مدينة لوس انجلوس. وقد عبروا عن غضبهم واحباطهم من خلال الموسيقي والاغاني وحققوا ذواتهم وايضا من خلال فيلم "حجرة" رغم نجاحه نقديا وجماهيريا وترشيحه في القائمة الأولي.
لقد مرت عشرات السنين قبل أن ان يحظي أي فنان من أصل افريقي أو لاتيني بترشيح الاكاديمية ففي الاكاديمية كانت "الألوان" ممنوعة.. "افريقيا وآسيا و"اللاتينوس" أبناء دول أمريكا الجنوبية".
وصناعة السينما من أكثر الصناعات الأمريكية العاكسة لآفات التمييز والعنصرية التي شكلت قسمات القرن العشرين في العالم الجديد والاختيارات التي تنتهي إليها في الجوائز الكبري دليل.. وقد ظل الممثلون "البيض" هم من يقومون بأدوار الشخصيات من ذوي الاصول اللاتينية أو الآسيوية وحتي الافريقية ومنذ تأسيس الاكاديمية في عشرينات القرن الماضي و"الأبيض" الأمريكي هو الذي يقوم بدور "الأصغر" الآسيوي و"الأسود" الافريقي و"المحايد" سواء أكان من أصل عربي أو هندي.
وفي عام 1928 حصل الممثل وارفر باكستر علي دور البطولة في فيلم بطلة مكسيكي "سيسكو كيد". ولعبت الممثلة النمساوية لويز راينر دور فلاحة صينية في فيلم "الأرض الطيبة" عام 1937.
إن تاريخ الأفارقة الأمريكيين مثقل بالألم والأسي والتمييز الوحشي فهم هؤلاء الذين تم اختطافهم وشحنهم في السفن عبر البحار إلي "أرض الميعاد" أعني "العالم الجديد" للقراصنة البيض وتم استعبادهم مئات السنين يزرعون الأرض ويربون الماشية ويخدمون في بيوت المستعمر الابيض. يقادون بالكرابيج ويعيشون كالحيوانات معزولون.
نتذكر هذا التاريخ وستجد تعبيرا عنه في نوعية مهمة من الاغاني تعرف بــ اغاني "البلوز BLUES" ومعناها الشجن والأسي والحنين وكل هذه المشاعر مجتمعة.. وستجد ايضا مشاعر الأمل والخيبة والترويح عن النفس والشفقة علي الذات.
هذه النوعية الآسيانة بآلاتها الموسيقية اختراع "افريقي" وتحمل الروح الافريقية وقد نمت وتطورت وأثرت في الموسيقي الامريكية مثل "الجاز" و"الروك اند رول" واكتسبت مكانة قوية وأخرجت فنانين ونجوما كبارا من ذوي البشرة السوداء.
وعلي الرغم من موجات الكفاح التي قاومت سياسة العبودية طالبت بالحقوق المدنية للسود وخروج زعماء من امثال مارتن لوفر كنج تظل التفرقة العنصرية والتمييز من السمات ضاربة الجذور في سيكولوجية الأمريكي الأبيض الاستعماري الاصيل وفي انتاجه الفني سواء في السينما والموسيقي والأدب وحتي في صناعة الألعاب والفنون الخاصة بالصغار والكبار.
فالحرية التي يكفلها الدستور والقانون الفيدرالي حرية سطحية تسقط علي الفور حين "اللزوم" و"اللزوم" مراوغ ويخضع لسياسات الإدارة الحاكمة.
والمفارقة أن وجود رئيس اسود لم يخفف من معاناة السود لأن الرئيس نفسه "عبد" وابن "عبد" وسلالة "عبيد" اعني علي المستوي السيكولوجي.
والمفارقة الثانية أنه ومع وجود رئيسة سوداء للاكاديمية الأمريكية وهي شيريل بون ايزاك "اسحق" لم يصل هذا العام ولا العام السابق أي من الفنانين السود السينمائيين إلي القائمة الأخيرة في ترشيحات الاوسكار 2016 وقد صرحت مؤخرا بأنها شعرت بالأسي والاحباط بسبب هذا الغياب الكامل للفنان السينمائي الأسود.
الجدير بالذكر أن مصطلح "أفريقي أمريكي" لم يستخدم إلا في أواخر الستينيات في القرن الماضي.