الوفد
كامل عبد الفتاح
25 يناير.. الحلم والكابوس
ثورة 25 يناير حدث دخل التاريخ ولن يخرج منه.. المؤمنون بالحدث اعتبروها ثورة تغيير وربيع وطن، والناقمون عليها اعتبروها 25 «خساير» وبوابة كبيرة للفوضى ووقف الحال ومؤامرة انخدع بها شباب بريء وتلقفها آخر عميل.. مشكلتنا بعد أربع سنوات من الحدث أننا ننظر لثورة يناير مثل نظرتنا لمباراة كرة لابد أن نسأل عن نتيجتها بعد 90 دقيقة من البداية وهذا خلل في التفكير.. يوم 11 فبراير 2011 تنازل مبارك عن السلطة مضطراً تلبية لسقف من المطالب ظل يصعد حتى وصل إلي جملة استوائية المزاج (الشعب يريد إسقاط النظام) وبقي السؤال بعد رحيله ماذا تغير؟
الحقيقة أن الثورات ليست طلقة رصاص نصوبها نحو هدف ولكنها غايات كثيرة سيرضخ لها منطق التاريخ لأن أحداً لن يستطيع أن يمحو من سجلات الزمن أن هناك حدثاً جللاً هز مصر وأسقط نظامها الحاكم يوم 11 فبراير 2011، كما أن أحداً ليس باستطاعته أن يجبر التاريخ أن تخلو صفحاته من عام أسود حكم فيه الإخوان مصر تحت لافتة هزلية مكتوب عليها «محمد مرسي العياط رئيس جمهورية مصر العربية».
العبرة ليست في كتابة التاريخ ولكن من أي زاوية سيكتب، وفي تصوري أن ثورة يناير حدث نبيل الغايات ولكن الغايات النبيلة تحتاج لأفكار أكثر نبلاً وصدقاً وتحتاج لأبطال حقيقيين يقودون جموع الناس نحو غاياتهم وأحلامهم، وأتصور أن ما تلا رحيل نظام «مبارك» كان فصلاً من فصول اللامعقول حين انهار اقتصاد الدولة وأمنها وانتعشت على جثة الوطن أسواق نخاسة سياسية يباع فيها كل شيء ويشتري.. التيار الديني غلف السلف الصالح والطالح والأنبياء والشياطين والكتب السماوية والأرضية في ورق سوليفان سياسي من أجل أن يحكم، والليبراليون فتحوا دكاكين لبيع الشعارات المضروبة والائتلافات الجاهزة والضمائر المشوية على نار كاذبة.. امتلأت أسواق النخاسة السياسية باللصوص والمهرجين والبلطجية وخرج بعضهم من هذه السوق بعد أربع سنوات بصفة نائب أو إعلامي شهير وأحياناً وزير، وللأسف الشديد كثير من رموز الرجال والنخب والوجهاء فضحتهم أفعالهم لحظة البيع والشراء ولم يكونوا – ولا يزال بعضهم – سوى غانيات في أثواب رجال مع كل الاحترام للغانيات اللاتي لم يتاجرن بالوطنية أو يتعرين من أبسط القيم بغية منصب عابر أو مكسب فاجر.
الثورة يا سادة مثل الحب، كلاهما رائع الغايات ولكن كون المحبين والعاشقين يفشلون في الوصول للجنة الموعودة ويتحول الحب إلى خناقة ومحاكم وخيانات وطلاق، فالعيب هنا ليس في الحب ولكن في المحبين الذين لم يكونوا على مستوى هذا الحدث العظيم، ومن المؤسف أن هناك حزباً غير معلن يجمع في عضويته أعداء ثورة يناير وأي فعل ثورى ويعتبر أعضاء هذا الحزب أن حديث الثورات نوع من الإفك والشرك والسفسطة، ويجمع بين هؤلاء الكارهين مجموعة سمات فأكثرهم عادة من الذين تنعموا بلا جهد ولا ضمير في حقبة ما قبل يناير 2011 وبعضهم من أصحاب أنصاف وأرباع المواهب والكفاءات وتيار منهم لديه عقدة نقص من مثقفي الثورات وتيار آخر أمنجي مخادع يختبئ قليلاً خلف جدران مصالحه يرقب اتجاه الريح ثم يظهر بالتدريج وبحذر كالثعلب الذي يرقب فريسته لينقض عليها في اللحظة والمكان المناسبين ثم بعدها يتوضأ ويخطب في الناس عن زمن الغدر والخيانة.
وعلى الضفة الأخرى من النهر لو تأملنا كثيراً من المؤمنين بثورة يناير والذين يفقدون أعصابهم كل لحظة لأن شيئاً يتصورهم لم يتغير سيلحظ المتأمل أن هذا التيار لم يكن لديه – ولا يزال – مشروع وطني للمستقبل يغري حتى القوى المترددة التي بيدها سلطان القوة على تبنيه وتشجيعه.. هناك أصوات عالية تطالب بالعدالة الاجتماعية وبدولة القانون ومن خلف الستار كثير من أصحاب هذه الأصوات يفتقرون للحد الأدني من نزاهة الضمير الوطني – بل – يهرولون سراً لطرق كثير من أبواب الغواية أملاً في نيل مكسب هنا أو موقع هناك مما يعني بمنتهى العبثية أن سريراً واحداً جمع أحياناً بين عشاق الثورة وكارهيها في لحظات آثمة بالأفعال الأكثر قبحاً من أصحابها.
وخلاصة القول بعد أربع سنوات من ثورة يناير 2011 إن هذه الثورة أخطر حدث في تاريخ مصر الحديث بعد ثورتى 1919 و1952 ولكنها تبدو للبعض حتى الآن أنها حادثة ثورية أكثر منها حدث ثوري.. أي أنها لحظة وانقضت وليست تياراً متدفقاً سيشق نهراً مستمراً في فضاء التاريخ والمستقبل.. وأنا أميل إلى أن ثورة يناير الحقيقية ليست هي التي شهدتها الميادين ولكنها التي انتقلت من الميادين لتستقر داخل عقول وقلوب الملايين من الأجيال الجديدة التي من حقها أن تعبر عن نفسها مستلهمة طاقاتها المتجددة من حلم ظهر كالقمر في سماء مصر يوماً ما.. ثورة يناير زلزال له توابعه التي ستظهر بعد سنوات في شكل طاقات إيجابية جداً قادرة على البناء والنهضة ووقتها ستصفنا الأجيال القادمة بأننا جيل الآباء المؤسسين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف