عباس الطرابيلى
هموم مصرية- العمل.. أو إيقاف العلاوات
ما قاله الرئيس السيسي ـ في ختام الاحتفال بتكريم شهداء الشرطةـ مجرد تلميح لما تعانيه الموازنة العامة للدولة، من عجز.. ولكنه قال كلمة صدق من اننا «نأخذ» دون أن نقدم مقابلاً لما نحصل عليه..
كان تساؤل الرئيس ـ بكل الصدق ـ عن تضخم الجهاز الاداري للدولة الذي يصل عدد العاملين فيه إلي 7 ملايين موظف.. وأضاف: ولكن ماذا يقدمون.. وتوقف الرئيس، ولم يكمل.. وان كانت تعبيرات وجهه قالت كل شيء.. وربما حساسية موقف الرئيس هي التي منعته من أن يكمل.. فهو رئيس لايريد أبداً أن يجرح أي انسان. فالقضية قديمة ومن مئات السنين.
<< هي قضية «تراب الميرى». إذ عندنا أكبر جهاز اداري في العالم كله، مقارنة بعدد السكان. وكأن المصري إذا لم يعمل بالميري، يعني الحكومة، لن يأمن علي طعامه.. بل إن المصري يسعي إلي الوظيفة الميري لأنه يعلم أنها الشيء الوحيد المضمون في حياته.. يمسك الوظيفة ثم يبحث عن عمل آخر بجانبها وهو لا يعمل شيئاً يذكر في الوظيفة الميري، ولكنه يكد ويكدح ويعرق في عمله الإضافي.. فقد ضمن الدخل الثابت في الأولي.. وضمن الحصول علي دخل العمل الاضافي.. ولذلك ينام في وظيفته المكتبية الحكومية مدرساً أو حتي طبيباً في الوحدة الصحية.. ليستيقظ ويعمل ـ في المساء ـ في عمله الخاص أو الدروس والسناتر.. إلي العيادة الخاصة، أو المستشفي الاستثماري.. والطريف أن كل هؤلاء «يناضلون» وربما يتظاهرون ويعتصمون ويكافحون من أجل زيادة رواتبهم الحكومية والحوافز والبدلات وهم لا.. يعملون!!
<< ولا نريد أن نحمل كلام الرئيس السيسي ما لا يحتمل.. ولكنني هنا «يمكن أن أعبر» عما رأي الرئيس إلا بقوله.. لعل كل الموظفين يفهمون ما وراء كلمات الرئيس.. فالرئيس ألمح الي مقابل هذه الأجور والمرتبات. إلي الانتاج الفعلي مقابل هذه المرتبات.. والرئيس هنا يريد أن يحرك ضمائر الموظفين.. وأن يزيل عن شعورهم الوطني ما علق به من مئات السنين.. وأن يحفزهم علي مزيد من الانتاج.. وان كنت أري ـ هنا ولحل هذه المعضلات ـ ربط الأجر بالانتاج.. فلا أجر ولا حتي أي مرتب ثابت.. لمن لا يقدم انتاجاً فعلياً.. ويا جماعة تعالوا نطلب ذلك، ولو لفترة.. أي إلي أن نعبر عنق الزجاجة الحالي وهو هذا العجز المالي الرهيب في ميزانية الدولة..
<< وكم أتمني ـ ولا أقول نتمني بصيغة الجمع ـ أن تستيقظ ضمائرنا وان نعطي للوظيفة حقها.. وهنا لن أطالب بوقف التعيينات الجديدة، في أي وظيفة حكومية.. فهذه جريمة.. ولن أطالب بايقاف العمل الحكومي أو يتم ـ فقط ـ تعيين موظفين جدد مقابل من يخرجون إلي المعاش فهذا من أصعب الأمور الآن.. لأن الدولة ومنذ العصر الناصري أخذت علي عاتقها تعيين كل الخريجين ومنذ أول الستينيات.. وهذا ما وجدنا صداه في اعتصامات الحاصلين علي درجات الماجستير والدكتوراة بسبب طلبهم التعيين بالحكومة.. رغم عدم وجود التزام حكومي بذلك.. وتلك بدعة لم يعرفها إلا المجتمع المصري.. أي الوظيفة الميري.
<< وأتذكر هنا أن هذه المسئولية الاجتماعية علي الحكومة التي التزمت بتعيين كل الخريجين من أوائل الستينيات.. هي هي الحكومة الناصرية التي منعت الجمع بين عملين أو وظيفتين، حتي ولو ادعوا أيامها ان هدف عدم الجمع هنا كان يستهدف توفير فرص عمل لمن لا يعمل.. وكانت النتيجة تلك التخمة الرهيبة في عدد الموظفين في الحكومة وأيضاً في شركات ومصانع القطاع العام.. فقتلنا بأيدينا هذا القطاع لأنه تحول الي أماكن حكومية أخري.. فكانت الخسائر الفادحة.
<< وما ألمح إليه الرئيس السيسي ـ تلميحاً أمس ـ كان أملاً في أن يزيد الموظف من حجم انتاجه.. لأنه بدون هذا العمل.. لا أمل في أي تقدم.. وإذا عرفتم حجم الرواتب الحكومية تكتشفون سر ألم الرئيس.. وأيضاً سر أمله. إذ بدون العمل لا تقدم. ولا حل لمشكلة ابتلاع الرواتب معظم المخصص للميزانية الحكومية.
الرئيس فقط يريد العمل فهل هذا هو الصعب أو المستحيل.. وتخيلوا كم تتحسن أوضاعنا لو خصصنا كل هذه الرواتب لافتتاح مصانع جديدة أو لزراعة الأرض الجديدة.. أو لمدارس جديدة وعيادات وطرق وخدمات.
<< تري هل تضطر الدولة مع اضطرارها إلي الاقتراض الداخلي والخارجي إلي السحب علي المكشوف أو إلي طبع المزيد من البنكنوت، هل نضطر إلي إيقاف أي علاوات أو الغاء الحوافز والبدلات؟
الحل الوحيد.. هو زيادة الانتاج وإعادة تأهيل فائض هذه العمالة للعمل في مجالات انتاجية حقيقية.. وليس لمجرد تعبئة الشمس في زجاجات.
المطلوب: المزيد من العمل.. ومن الانتاج.. وهذا هو ما نحلم به.. ويحلم به الرئيس.