مؤمن الهباء
شهادة -كأنها "عزبة"!! شيء لا يصدقه عقل!!
حتي رؤساء الجامعات الذين من المفترض أنهم بلغوا أعلي درجات سلم العلم. والمنجز الإنساني الحضاري والثقافي والانفتاح العقلي.. حتي هؤلاء يظهر من بينهم من يهوي ممارسة الكبت والوصاية علي زملائه الأساتذة. ويفرض عليهم سياسة تكميم الأفواه. ليسلبهم أعز ما يملك إنسان هذا العصر.. الحرية.
لو حدث هذا في مصنع أو شركة أو مصلحة حكومية. لالتمسنا لفاعله ألف عذر. ونحن نقاومه ونقومه.. لكن أن تُقتل الحرية في معاقل الحرية.. وتُفرض الوصاية علي الأساتذة المنوط بهم أن يعلموا طلابهم معني الحرية ويدربوهم علي ممارستها. ويشجعوهم علي أن يكونوا أحراراً في وطن حر.. فذلك أمر فوق القدرة علي الاحتمال.. ناهيك عن كونه مخالفة صريحة للدستور والقانون اللذين ضمنا للمواطنين جميعاً حرية التعبير وحرية الفكر والرأي.
القضية ـ الأزمة ـ أثارها قرار صدر عن مجلس جامعة كفرالشيخ يتضمن "عدم ظهور أي من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والعاملين في الجامعة في أي من وسائل الإعلام أو النشر أوإعطاء تصريحات صحفية إلا بعد الحصول علي موافقة كتابية من السلطة المختصة بالجامعة.. وكذلك عدم تداول مستندات أو أوراق خاصة بالجامعة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يخالف ذلك".
واقتداء بهذا القرار أصدر د.ممدوح غراب. رئيس جامعة قناة السويس هو الآخر قراراً بأنه "تطبيقاً للمادة 104 من قانون تنظيم الجامعات 49 لسنة 1972. يتم التنبيه علي أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة نحو عدم إصدار أو نشر مقالات أو موضوعات أو الظهور بأي من وسائل الإعلام إلا بعد الموافقة من رئيس الجامعة".
الغريب أن د.ماجد القمري. رئيس جامعة كفرالشيخ حين أراد أن يبرر قرار مجلس جامعته. الذي صدر بإيعاز منه بالطبع وفوضه في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين. قال إن القرار ليس غرضه عدم الظهور في الإعلام. لكن تنظيم عملية الظهور.. وكل مؤسسات الدولة مثل الجيش والقضاء تحافظ علي نفسها وتتحدث في الإعلام بإذن.
وهذا التصريح ـ كما هو واضح ـ يفضح الرغبة في الوصاية والتسلط وتكميم الأفواه أكثر مما يبررها.. وقد جاءت الممارسة العملية تؤكد ذلك.. فقد أحال رئيس الجامعة اثنين من زملائه الأساتذة الكبار إلي التحقيق لمخالفتهما قرار الوصاية.. الأول د.نبيل محيي. كان عميداً سابقاً لكلية الصيدلة بالجامعة وكان مرشحاً لرئاسة الجامعة ضد رئيسها الحالي.. وهو عضو بالهيئة الاستشارية العليا لمجلس علماء مصر ورئيس تحرير المجلة الأمريكية لمكافحة السرطان. ورئيس هيئة تحرير مجلة أسبانية باسم "محفوظات في بحوث الأورام" وشارك في 18 مجلة علمية أخري.. ويتم التحقيق معه بسبب ظهوره علي تليفزيون الدولة متحدثاً في العلم وليس ـ حتي ـ متحدثاً في السياسة.. والثاني د.عمرو بلتاجي. عميد كلية العلوم السابق. وزميل رئيس الجامعة في نفس الكلية.. وقد علق علي ما يحدث قائلاً: "للأسف الشديد تُدار الأمور في الجامعة كأنها عزبة.. وقرار الإحالة للتحقيق محاولة للتنكيل بي".
الزميل أشرف عبداللطيف. رئيس قسم التعليم بـ"الجمهورية" أكد في مقاله يوم الأحد الماضي أن وزير التعليم العالي بريء تماماً من قرارات الوصاية وتكميم الأفواه التي أثارت حالة من التوتر بين أعضاء هيئات التدريس بالجامعات.. ثم علق علي ذلك قائلاً: "للأسف تظهر أحياناً شخصيات تكون ملكية أكثر من الملك.. فهذه قرارات غريبة فعلاً في وقت نحن في حاجة لأكثر من رأي وأكثر من صوت.. أما دعوة الاصطفاف حول رؤية واحدة. فهي الخطأ بعينه.. لقد كشفت هذه القرارات مدي ما تحمله بعض القيادات في بعض المواقع من روح فاشية تجاه بعض المختلفين في الرأي معهم أو مع بعض السياسات الوطنية المطروحة.. الجامعات المصرية تزخر بكفاءات وعقليات وطنية ترفض مثل هذه الوصاية الفجة.. لكن ما هو شعور أي مسئول يصدر قراراً وهو يعرف مسبقاً أنه لن يكون محل ترحيب من زملائه. ولن ينفذ ولن يلتزم به أحد.. عليهم إصدار قرارات تكون محل احترام".
بقي أن نقول إن الجامعة ليست عزبة.. ومؤسسات الدولة ليست عزباً لمن يديرونها.. والمصريون يرفضون الوصاية. ولن يعودوا إلي سياسة تكميم الأفواه