الوطن
كمال زاخر
25 يناير حزباً (1 من 2)
كنت وقتها، 1968، طالباً بكلية التجارة فى السنة الأولى، وكانت المحاضرة فى مادة القانون المدنى للأستاذ الدكتور محمد جمال الدين زكى، كنا نراه مثالاً للانضباط والجدية والصرامة، ومن ينتبه لما يقول لا يحتاج إلى العودة للكتاب، وكنا نضيق بهذا كله، بحكم المرحلة ودرجة وعينا بالجامعة ومفهوم التعلم، لكنه لم يكن يبادلنا التبرم، ويصر على أن يغير من اختلالات ما كنا عليه، ويلتمس لنا العذر لفساد التعليم ما قبل الجامعى، هكذا يراه!!، الذى أنتج جيلاً لا يملك ادوات اللغة بفضل سياساته التى هجرت الطرق التقليدية إلى طرق «حديثة» فاشلة، وبين الحين والآخر ينعتنا بأننا «جيل شرشر نط عند البط».

فى هذه المحاضرة تناول الفرق بين الدين والأخلاق والقانون، فهى دوائر تسعى لضبط العلاقات داخل المجتمع، تتشابه حيناً لكنها لا تتطابق حصراً، فبينما الدين يحدد العلاقات بين البشر والله وبين البشر وبعضهم، فإن الجزاء فيه أخروى، بينما الأخلاق مجموعة من قيم تحكم العلاقات بين الناس فى مجتمعهم ولا تملك جزاءً لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، وإنما تستمد تأثيرها من الردع المجتمعى فى العلاقات البينية المحكومة بالأعراف السائدة، بينما القانون مجموعة من القواعد القانونية العامة والمجردة والملزمة تنظم العلاقات الظاهرة وتحدد الحقوق والواجبات ويلازمها جزاء أرضى ملموس، ولا تذهب إلى النوايا أو تحاسب عليها أو تفتش فيها، إلا فيما يخفف أو يشدد الجزاء وفق معايير محددة.

تذكرت هذا مع ذكرى ثورة 25 يناير، التى يتجلى فيها الخلط بين هذه الدوائر إلى درجة العبث، ربما بتأثير الذهنية الشمولية الأحادية التى صارت واحدة من مكونات الشخصية المصرية المعاصرة، إلا قليلاً، تقر بالتعدد والتنوع لكنها لا تفعلهما وتنحاز للرأى الواحد والقرار الواحد والتصور الأحادى، ولا تعترف بالمنطقة الرمادية، بين الأبيض والأسود، لذلك تتعثر الديمقراطية ولا تجد لها مكاناً بيننا، فهى تقوم على الحوار وهو بطبيعته بين مختلفين، أو على الأقل غير متطابقين، تستحضر الدين حيناً والأخلاق حيناً لكنها لا تحتكم للقانون، ويسعى كل فريق لإجبار الآخرين على قبول رؤيته وقراره، الخطر فى هذا أن من يختلف معه فهو فى حضور الدين «كافر» وفى حضور الأخلاق «فاسد» والتقييم هنا وفق ما يتصور أنه صحيح الدين أو الأخلاق.

دعونا نقترب من الحدث «25 يناير 2011» الذى يراه كثيرون «ثورة» ويراه البعض «نكبة»، كل بحسب موقعه منه، تحكمه رؤية تشكلت من خط الطوباوية إلى خط المصلحة، وما بينهما، وهذا أمر طبيعى، لكن أن يبقى هذا الجدل محصوراً فى التنظير، والرفض المتبادل، وإصرار كل فريق أنه يملك الحقيقة المطلقة، هذا هو الخطر الذى يتهددنا.

الثورة لحظة والوطن حياة ممتدة، وهى لحظة تهدف إلى هدم ما هو قائم والتأسيس لبناء جديد بقواعد جديدة، وبين الهدم والبناء يتولد الصراع، والذى لا يمكن أن يستمر دون قواعد تنظمه، ولهذا يصبح من الحتمى أن تتحول رؤى الفرقاء إلى كيانات على الأرض تتبنى الدفاع عن رؤيتها، وهى ما عرفته النظم الديمقراطية بالأحزاب، ليصبح السؤال هل خريطة الأحزاب القائمة تعبر عن تباينات الفرقاء؟

الواقع يحمل لنا إجابة صادمة، فهى فى أغلبها أحزاب مستنسخة من جدر التنظيم الشمولى الأوحد، ولا يجرؤ أحدها على الادعاء بتمايزه، وغابت الثورة عن المشهد الحزبى، وبقيت محصورة فى شعارات ودعوات للتظاهر فى طور المراهقة السياسية تتجاذبها الطوباوية والمصلحة، فهل يبادر الشباب المؤمن بها بتشكيل حزب يترجم رؤية الثورة ويشتبك مع الواقع ويغيره؟

ليكن هذا حديثنا المقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف