مصطفى عبيد
خارج السطر -«مع سماحة الشيخ» لاسماحة
قُلت لكم مراراً إن الإسلام مُختطف وآية خطفه أن يختلط بالبداوة والغلظة فلا يعلم الناس إن كان الإسلام بداوة أم البداوة إسلاماً.
مّنذ صار النفط حاكماً وسُلطانا صعدت ثقافات وحطت أخُرى وبتعبير المُبدع الراحل عبدالرحمن الأبنودى «بترول وحطّ علينا زى القدر. اللى افتقر افتقر.. واللى اقتدر اقتدر.. طلعت بشر.. نزلت بشر»، وتعلقت عيون كثيرة بعُلماء الحجاز تسمع منهم وتأخذ عنهم وتعتبرهم صوت الإسلام الوحيد، فتغيرت الأذواق وتبدلت السلوكيات فى الشارع، وصار التطرُف أصلاً لدى كثير من المُتدينين فى مِصر.
لا يمنعنى مانع أن أنزعج من فضائيات تبُث لنا ليل نهار فتاوى ما أنزل الله بها من سُلطان عن حُكم تهنئة المسيحيين أو تشغيل المرأة أو تدليل الأطفال . تصوروا فى ظل تطرف «داعش» وتعصُب المُتأسلمين، ونفور الرأى العام العالمى من موجات إرهاب وكراهية وجهل تثور باسم الإسلام يواصل شيوخ الحجاز الأجلاء نشر الظلامية باسم الدين.
فى الأسبوع الماضى أطل فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل شيخ مُفتى المملكة السعودية على جمهور المُشاهدين فى قناة «المجد» من خلال برنامج عنوانه «مع سماحة المُفتى» ليقول فى حدة إن لعبة الشطرنج حرام شرعاً ورجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.
تصوروا ذلك الرجل الذى يُمثل بلد الحرمين الشريفين يقول للمُسلمين «إن لعبة الشطرنج مضيعة للوقت ومنفقة للمال وسبب للعداوة والبغضاء بين الناس، وهي بلاء وقضاء وقت في غير محله، وتدخل ضمن الميسر الذي حرمه الله بقوله (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)».
التحريم سهل ويسير على ألسنة هؤلاء العُلماء الذين نسأل الله لهُم الهُدى والرفق بأُناس طيبين أنقياء يُحبون الله ورسوله ويفزعون فزعاً من كلمة «حرام» و«ذنب» و«رجس»، لكنهم يتحولون إلى كائنات رافضة للحياة إن هُم أخذوا بما قال الفتّانون الذين يُقدمون للناس كُمفتين. وتلك خطورة اختطاف الإسلام لتقديمه كما يريد مُجتمع ما.
إن البعض قد يرُد بأن مُفتى المملكة يوجه حديثه لأهل بلاده، وبأنه حُر فيما يرى وأننا لسنا مُلزمين باتباعه، وكُل ذلك صحيح نظرياً، لكن فى الإسلام وفى مثل هذا الزمن فإن الفتوى تعُم، والناس ــ أو كثير منهُم ــ يولى وجهه نحو الإسلام السعودى باعتباره إسلام أهل السُنة والجماعة.
إننى هُنا لا أُناقش الفتوى ومدى صحتها من عدمها، خاصة أن كثيراً من شيوخ الأزهر الأجلاء تناولوا مثل هذا السؤال قبل عقود طويلة وردوا بإقناع ووعى ينفى كون لعبة الشطرنج نوعاً من أنواع الميسر، ولكننى أحاول اشعال بصيص ضوء فى عتمة العُنف والإرهاب المُلصق بالإسلام شرقاً وغرباً، وأقول دون لف أو دوران إن كثيراً من أفكار داعش والقاعدة تستمد أُسسها من الإسلام الوهابى المُتشدد. ذلك المذهب الذى يستسهل التحريم ويشطب على العقل ويخلط رؤى البداوة بالدين الحنيف.
لقد هالنى وأنا أتتبع بعض الفتاوى الوهابية كم التعصُب والتشدُد ومُعاداة الحياة وكراهية الآخر وعدم احترام المرأة واختيار الأصعب تحوطاً. وأظُن وليس كُل الظن إثماً، أن أشقاءنا فى المملكة يجب أن يلتفتوا لركام الآراء والأفكار التى تُطرح على المُسلمين من بعض دُعاة الحجاز.
ذلك رأيى ورُبما هو خطأ، لكنه يحتمل الصواب، وآمل أن يجزنى الله عنه خير الجزاء يوم نلقاه، والله أعلم.