م. حسين منصور
في الذكري الخامسة لثورة الشعب
خمسة أعوام تمر علي احتشاد المصريين واختراقهم حصار الدولة البوليسية الحديدي... فطوفان 25 يناير كان هو تراكم صبر أجيال عديدة خرجت وحاولت وحلمت وتطلعت لوطن تملكه وتصنعه ويكون ملكية عامة لجميع الشعب... خرج المصريون في 68 احتجاجاً علي الأحكام الهزيلة لقادة الطيران في نكسة 67 وامتد الاحتجاج متطلعاً للتحرير ومواكباً لثورة الشباب والتغيير في أوربا... وانتفض الناس في 77 غضباً علي سياسات الفقر والإفقار... وتعالت صيحت الاحتجاج ودعوات الخروج والمواجهة في العقد الأول من الألفية الجديدة... واحتل الشعب ميدان التحرير في مارس 2003 في مواجهة الغزو الأمريكي للعراق كسبب عام يحمل في طياته دوافع الثورة علي الفساد والمحسوبية والحصار الأمني وانفراد نخبة بعينها لثروات ومقدرات الوطن... ولم تزل تلك العوامل تتزايد وفي ظل الانفتاح الكوني وتحول العالم لقرية صغيرة... مما زاد من تبرم الأجيال الجديدة وهي تري مختلف بلاد العالم تخرج وتحتج وتمارس حقوق المواطنة وشمس النور والحرية تشرف علي مختلف الشعوب والبلاد ومازالت مصر تحكمها تلك النخبة التي لا تتغير ولا تموت وقوي الأمن تحكم قبضتها لحساب من اعتبروا أنفسهم أسياد البلد... فجاء انفجار يناير 2011 مدوياً حاشدا ملهماً لكل الآمال والرؤي نحو دولة حديثة عادلة متسامحة حرة...
< يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011 وقفت مصر كلها في ميدان التحرير كانت المليونية الحقيقية الثانية في تاريخ مصر الحديث... احتشد الشعب وغطي كل شبر علي أرض ميدان التحرير وصولاً لكوبري الجلاء عند الدقي ولشارع القصر العيني ولشارع رمسيس عند منزل كوبري اكتوبر ووصولا لباب اللوق ومحمد محمود... لم يكن هناك موضع لقدم... 1 فبراير 2011 كان الإعلان الرسمي الشعبي لسقوط مبارك... خطاب مبارك وواقعة الجمل كانت حلاوة روح... المرة الأولي التي احتشد فيها الشعب في ميدان التحرير كانت تأييداً لإلغاء معاهدة 36 وحضرت مصر كلها في ميدان التحرير وكان نفس المشهد الذي شاهدناه جميعا في 1 فبراير 2011..
< ظل الاحتشاد الشعبي هو المارد الذي يخيف الجميع... والمطلوب دائماً منعه وتفريقه وتشتيته... بذلت الأجهزة الشمولية جهوداً طائلة لتحقيق الهدف واستمرت في مهمتها عقوداً طويلة ولكن قوة دفع الغليان حطمت كل المغاليق... الرئيس المعزول وجماعته يدركون من البداية أن مهمتهم الأولي كسر وتفريق شوكة الاحتشاد الشعبي... فبادروا بالاعتداء والهجوم واستصدار القوانين واستخدام النائب العام لم يتركوا سلاحاً إلا واستخدموه ولكن المارد الشعبي سحق كل محاولات التخويف والاعتداء وكانت كلمة مصر هي الأولي في 30 ـ6...
< خاض الشعب معركته الطويلة لأجل أن يصل إلي دولة القانون والعدالة والكرامة... ولكن بعد خمسة أعوام من مسيرة الحدث وتلاطماته إلي أين وصلت الناس... فغير مفهوم وغير مقبول أن تتم صياغة نوع من التوجيه نحو مصلحة الناس والشعب والبلد وصناعة مسارات آمنة للصالح العام... تلك الطرق التوجيهية بالية وفاشلة والشعب الذي تحرك في يناير هو نفسه الذي أجهز علي حكم الإخوان في يونية وهو الذي يعرف ويستشرف طريقاً نحو مستقبله دون مسارات محددة آمنة يتم تصنيعها.. فلا شك أن مساحات التعبير والحركة قد شهدت تقلصاً فضلاً عن أجواء التشكيك والتخوين نحو الآراء المخالفة وليس جديداً التذكير بسلامة وصحة الأجواء المفتوحة وان خيارات الناس تنتصر دائماً للحياة والتقدم وليس للفوضي والاعتراك...
< كان مثيراً للنفور تواجد العديد من الوجوه الكالحة المنتمية للعهد البائد نجدها لم تزل تتحرك وتتواجد في جوار صناعة القرار مما ألقي بظلال بائسة لدي كل الطامحين لمصر الجديدة... إصدار القوانين الهامة المؤثرة في مسيرة المستقبل «تقسيم الدوائر ـ مباشرة الحقوق السياسية ـ التظاهر ـ الخدمة المدنية... إلخ» بعيداً عن حوار مجتمعي واسع جاد فضلاً عن تجاهل كل الأصوات المعارضة والعارضة لوجهات بديلة وحلول مختلفة وكان مردودها واضحا للعيان في الإقبال الشعبي علي الاستحقاق الأخير في انتخابات مجلس النواب... فغابت الناس وحضر المال والإفساد السياسي في غض للبصر واضح من كافة الجهات الرقابية والأمنية...
< هل تلتهم الثورة أبناءها وتضعهم خلف الأسوار... ويكون الإفراج اختيارياً وفي مناسبات الأعياد وما شابه.. فحق الأجيال الشابة في صناعة المستقبل غير مقبول أن يكون أسير المنح والعطايا فحقهم في الحرية هو المسار الطبيعي للتغيير والتقدم... وجاءت معالجة تقرير وتصريحات جنينة خاضعة لنفس وصفات الشمولية البائدة من تخوين وكيل للشتائم مما أحدث مردودا عكسيا وكان من الأجدي أن يكون الرد موضوعياً ومحدداً حول ما أثير من نقاط في تقرير جنينة مما كان يوضح لعموم الناس الغث والسمين والمغرض وما يستهدف الصالح العام...!!
< في السنوات الخمس الماضية احتفل الرئيس المعزول بذكري عبدالناصر وذكري السادات وأرسل وزير الدفاع لقبر الرئيسين ويحتفل الرئيس السيسي أيضاً بذكري الرئيسين سواء بحضوره هو شخصياً أو بإرسال وزير الدفاع... ولم يحتفل رؤساء مصر أبداً بذكري زعماء الثورة الشعبية الأم ثورة 19... لم يحتفلوا أبداً بذكري سعد أو النحاس... تجاهل الرئيس لذكري زعماء الشعب يلقي بظلال سلبية علي احترام إرادة الشعب وزعمائه... عاشت ثورة الشعب المصري وعاشت ثورة 25 يناير نبعاً لإرادة الناس التي سوف تصل حتماً لما هبت له وسوف تنتصر قيم العدل والتسامح والحرية والكرامة...