الصباح
سليمان جودة
نائب عام سويسرا يُلخص «أموال الخارج» فى عبارة!
عادت قضية الأموال المهربة إلى الخارج، تظهر من جديد، وعاد المتاجرون بها على المصريين، يظهرون من جديد، وكانت المناسبة أن النائب العام السويسرى قد زار القاهرة، وقال أثناء وجوده فيها، إن إجمالى الأموال الموجودة عندهم يصل إلى 590 مليون فرنك سويسرى!
قبلها بأيام، كانت محكمة النقض، قد أيدت الحكم الصادر على الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ونجليه علاء وجمال، فى قضية القصور الرئاسية، وهو حكم يدينهم بالحبس ثلاث سنوات.. وهو أيضًا ليس حكمًا يدين الثلاثة، وفقط، ولكنه أول حكم بات، ونهائى يصدر عليهم، منذ قامت ثورة 25 يناير 2011 إلى اليوم!
وفى كل مرة كُنت أتعرض فيها لهذه القضية من قبل، كنت أقول، إن أى واحد منا يتمنى أن تكون لنا أموال فى الخارج، أضعاف أضعاف ما أشار إليه النائب العام السويسرى، وأن نتمكن من استردادها، غدًا، لا بعد غد، غير أن الأمور فى هذه القضية، وفى غيرها، لا تؤخذ أبدًا بالأمانى!
وكنت أيضًا أقول، إن أهل الشأن فى هذا الملف، يعرفون تمامًا، أن استرداد جنيه واحد من الخارج، يتطلب ثلاثة شروط لم تتوافر حتى الآن لأحد، ممن قيل إن لهم أموالًا مجمدة، أو مهربة فى الخارج، بمن فيهم مبارك ونجليه أنفسهم، الذين قد يتوافر فيهم شرطان، دون الشرط الثالث!
وقد كانت الشروط الثلاثة هى أن يخضع المتهم بأن له أموالًا فى الخارج، سواء كان هو مبارك، أو غيره، لمحاكمة عادلة أمام القاضى الطبيعى فى بلده، أولًا، وأن يصدر فى حقه حكم قضائى بات ونهائى، ثانيًا، ثم كان الشرط الثالث الذى لا يتوافر لمبارك ونجليه، هو أن يثبت لدى الجهة الموجودة أموالهم عندها، أيًا كان حجمها، أنهم قد حصلوا عليها بطرق غير مشروعة!
وإذا كان تحقيق أول وثانى الشروط، قد استغرق خمسة أعوام كاملة، فلابد أن يتوافر الشرط الثالث، يمكن أن يأخذ من الوقت أضعاف ذلك، وربما أكثر، ولا أقول هذا الكلام تيئيسًا لأحد بالطبع، ولكننى أتكلم فقط، بما هو واقعى، وبما هو عملى!
ولابد أن الذين أوهموا المصريين، فيما بعد 25 يناير 2011، بأن الأموال عائدة غدًا، أو بعد غد، وبامتداد خمس سنوات كاملة، يستحقون المحاسبة، لأنهم إما أنهم كانوا يعرفون، أن الموضوع ليس سهلًا بالمرة، ثم لا يصارحون الرأى العام فى البلد بذلك، وإما أنهم كانوا لا يعرفون، وكانوا يمارسون صناعة الجهل والتجهيل للناس، وهذه تستحق محاسبة أيضًا!
وقد جاء وقت تشكلت فيه لجان شعبية، وغير شعبية، وسافرت هذه اللجان إلى أكثر من عاصمة، وعادت، وسافر وزراء، وعادوا، ولم يكن معهم مليم واحد، مما قالوا إنهم سوف يعودون به من أموال، فكأننا لم نشأ أن نكتفى بأن نخسر الأموال الموجودة فى الخارج، وإنما أضفنا إليها أموالًا أخرى مُهدرة تكلفتها اللجان الشعبية وغير الشعبية، والوزراء، وغير الوزراء، فى سفريات طالت، واستطالت، ولم تكن لها أية فائدة!
وإذا كان لأحد أن يلاحظ شيئًا مهمًا، فى كلام النائب العام السويسرى، فهذا الشىء هو أن كلامه عن الـ590 مليون فرنك سويسرى، كلام مطلق، بمعنى أنه لم يحدد ما إذا كان هذا المبلغ يخص مبارك ونجليه، أم لا؟!.. وبمعنى أدق فإننا يمكن فى لحظة من اللحظات، أن نكتشف أن مبارك ونجليه لا يخصهم شىء فى المبلغ كله، وأنه يخص أشخاصًا غيرهم، لم تصدر فى حقهم أحكام أصلًا!
وعندما كان النائب السويسرى على وشك مغادرة القاهرة، أطلق تصريحًا لخص به الحكاية كلها، فقال: التصالح مع مبارك ونجليه، وغيرهم، هو أفضل وأقصر طريق، لاستعادة أى أموال تخص الشعب!
العبارة واضحة، ومعناها أوضح، ومع ذلك فإن المتاجرين بمشاعر المصريين، لا يريدون أن يتوقفوا، ولايزالون يبيعون الوهم للناس!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف