خالد عكاشة
بالأرقام والمعلومات.. نشاط الحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة العربية
>>200ألف جندى إيرانى ينتشرون فى سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن
>>إيران تنفق 200 مليون دولار سنويًا لدعم حزب الله اللبنانى و3.5 مليار لصالح الأسد
رسميًا تم رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عن إيران الأسبوع الماضى،بعد سنوات من الحصار والتجميد والتضييق، وهى التعبيرات التى كان المجتمع الدولى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يتداولها فى التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمنطقة بعد أن عاشت أحداثًا متقلبة ساخنة فى أعوامها الأخيرة، تتلقى الآن متغيرًا جديدًا أكثر تعقيدًا، فقد انقلبت الصورة فى هذا الملف بغتة وصار شرطى الأمس هو عراب اليوم، فوسط انشغال الجميع بهموم وملفات الإرهاب وحروب الوكالة الطاحنة أنجزت إيران اتفاقية ملفها النووى، وها هى اليوم تصل إلى المحطة التى طال انتظارها
لها وهى الإفراج عنها دوليًا، ومن يروج لهذه الانفراجة اليوم هى أمريكا التى أعلنت عن الأرصدة المالية التى سيتم ضخها لإيران تباعًا خلال الفترة المقبلة، والتى تقدر بمليارات الدولارات، والأخيرة فى أول تصريحاتها حول خططها لما بعد الإفراج تحدثت عن ضخ من نوع آخر هو النفط، الذى ستنزل فى ساحته بقوة من خلال نصف مليون برميل يوميًا.. لكن المشهد وما أثار المخاوف والقلق لدى العديد من أطراف المنطقة ليس اقتصاديًا وتجاريًا رغم أهميته، فهناك إيرانى ما هو أبعد وهو التداخل المسلح من جانبها فى معظم صراعات المشهد، وقبله حضور سياسى دأبت على صياغته مما جعل معادلاته
.تتقاطع وتمر بطهران رغمًا عن كل الأطراف
ربما الإصرار الإيرانى على الاشتباك خارج حدودها الجغرافية هو أهم أسباب هذا القلق الإقليمى المشروع، خاصة والحديث يدور حول اشتباك مسلح
بالجنود والعتاد وفى نقاط المنطقة المفصلية.
أول اعتراف رسمى بوجود مقاتلين إيرانيين خارج بلادهم أكده «قائد الحرس الثورى الإيرانى، محمد على جعفرى» فى خطاب عام، عندما أعلن الأسبوع الماضى عن وجود (200 ألف مقاتل) فى سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن، جاء هذا التصريح على لسان محمد جعفرى خلال مراسم تأبين قيادى الحرس «حميد رضا أسد إلهى»، هذا القيادى قتل فى سوريا الشهر الماضى أثناء العمليات المسلحة المحتمدة هناك، وهذا مما يلقى الضوء على الدور الذى تلعبه هذه القوة العسكرية الموازية للجيش الإيرانى الرسمى فى زعزعة أمن دول المنطقة، القائد جعفرى فى حديثه الحماسى أمام مشيعى العنصر القيادى بالحرس ذكر، «إنه يتطلع إلى تشجيع الجيل الثالث من الثورة لدعم ولى الفقيه فى إيران، وضرورة التأكد من أهمية حضور الشبان الإيرانيين فى معارك سوريا والعراق واليمن»، حديث مباشر وصادم لكنه يمثل فقط كونه إزاحة الستار عما كان مسكوتًا عنه طوال العقد الماضى ولا زال مستمرًا بقوة حتى الآن، الدول العربية ودول الجوار الإيرانى قضت سنوات تشكو وتحذر من التغول الإيرانى عبر هذا الذراع تحديدًا «الحرس الثورى»، لكن الصمت والسكوت المطبق على هذا التمدد والتطور كان بامتياز من نصيب إيران والمجتمع الدولى الذى كان يصف مثل تلك الاتهامات بالمبالغة.
لكن وفق تلك التطورات الأخيرة التى شكلت نفسها على ساحات الإقليم المفتوحة وجاء آخرها التورط فى الاعتداء على المنشآت الدبلوماسية السعودية والخطوات الخليجية والعربية مقابل ذلك، فهل فى الأمر ثمة مبالغة فى الدور الإيرانى القائم على تهديد وحدة وأمن أراضى الدول العربية، أم أن بالمشهد حقيقة منظومة تعمل بشكل منتظم وممنهج من أجل الوصول لتلك الغاية، فبداية الحرس الثورى يعمل خارج إيران عبر ذراعه الخارجى «فيلق القدس» وهو فيلق يرأسه الجنرال الشهير «قاسم سليمانى»، ومنذ اندلاع الأزمة فى سوريا، وما استتبعها من تطور بالعراق ثم اليمن صدرت التعليمات الإيرانية العليا، بوضع كل إمكانات ومؤسسات الحرس الثورى تحت طلب سليمانى، لاستعمالها عند الحاجة، الحرس كان يضم فى الماضى أربع قوى أساسية هى «القوات البرية والبحرية والجوية والقوة الصاروخية»، ثم فى الآونة الأخيرة تم استحداث قوة خامسة هى «قوة الردع الإلكترونى والاستخبارى والثقافى» للتعامل مع الفضاء الالكترونى، بعد أن ظهر أهمية السيطرة على السوشيال ميديا منذ اندلاع وتمدد ثورات الربيع العربى وتوابعها، ومن المعلوم أن الحرس الثورى الإيرانى يعمل فى سوريا منذ أواخر عام 2011م عبر مستشارين عسكريين يمسكان بمفاصل غرف العمليات، كما أن مقاتلى الحرس الذين توجهوا لدعم النظام السورى كان لديهم قدرات تنظيمية وخبرات قتالية أهلتهم للعمل فى معظم العمليات المتقدمة والنوعية التى خاضتها الوحدات الخاصة للجيش السورى، مثل معركة القصير وحصار الزبدانى وتأمين مدينة وميناء اللاذقية، وغيرها من المهام الفارقة التى نفذت طوال السنوات الخمس الماضية، وفيما يخص عمل الحرس الثورى فى العراق كانت مهمته الأحدث والأبرز أنه كان العصب الرئيسى لتشكيل القوة العسكرية الموازية للجيش الرسمى العراقى، وهذه القوة الإيرانية تضم نحو 25 ألف متطوع غالبيتهم من العراقيين وقياداتهم من الإيرانين، يعملون ضمن خمسة فصائل تابعة للحشد الشعبى جرى تدريبها فى محافظات «واسط والعمارة والمثنى» من قبل المتخصصين من قوات الحرس، وفضلًا عن كون هذا الحشد الشعبى أصبح له اليوم بالعراق كلمة حاضرة فى معظم الترتيبات الأمنية، وأشهرها مجابهة تنظيم داعش، فإن اللافت والغريب أن يكون الحرس الثورى الإيرانى هو من يتكفل بسداد مرتباتهم الشهرية.
أكثر ما يثير دهشة السياسيين العرب والخليجيين خاصة هو علاقة التقارب الأخير ما بين واشنطن وطهران والذى توج بالطبع بتوقيع الاتفاقية النووية الأخيرة، مثار الدهشة الخليجية أنهم حتى اللحظة لا يستطيعون تفكيك شفرة هذا الموقف الأمريكى الذى يجمع النقيضين فى آن واحد، فرغم العديد من مواقف التساهل الأمريكى تجاه تحركات إيران على صعيد ملفات ظلت طوال عقود طويلة توصف بالأهم بالنسبة لسياسات الولايات المتحدة بالمنطقة، فى نفس الوقت الذى تخرج من داخل أمريكا نفسها اتهامات وانتقادات لاذعة للسياسات والتحركات الإيرانية، وربما أبرز هذه الصور من التناقض هو ما تضمنه التقرير الرسمى لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب فى العالم فى عام 2014م، والذى تضمن اتهامات صادمة فى الجزء المتعلق بإيران والإرهاب الذى تمارسه، وجميعها على عهدة الوثيقة الأمريكية كما نشرت فى منتصف العام 2015م، والتى فيها اعتبرت أن إيران تظل من أكبر الدول الراعية للإرهاب والداعمة له فى منطقة الشرق الوسط والعالم.
يقدم التقرير رصدًا ليس تفصيليًا تمامًا لكنه كافٍ لرسم صورة عن الإرهاب، الذى تمارسه إيران ودورها التخريبى فى المنطقة والعالم، ويمكن تلخيص أهم ما جاء فى هذا التقرير فى النقاط الثلاث التالية :
أولًا: يذكر التقرير أن إيران واصلت أنشطتها الإرهابية فى عام 2014م، حيث قامت بدعم الجماعات الإرهابية فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ويبرز التقرير بصفة خاصة دور إيران والجماعات المسلحة التى تدعمها فى سوريا ولبنان والعراق، ويؤكد أن إيران لا تدعم الجماعات الإرهابية فى هذه الدول فقط، وإنما تدعم جماعات ومليشيات أخرى فى المنطقة، ويتوقف بصفة خاصة عند دور إيران فى العراق، ويقول بهذا الصدد: «إنه على الرغم من زعم إيران أنها تدعم الاستقرار فى العراق، فقد زادت من تسليح وتمويل وتدريب المليشيات الشيعية فى العراق، وبعضها مصنف ضمن الجماعات الإرهابية».
ويسجل التقرير أن هذه المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، فاقمت التوترات والاحتقان الطائفى فى العراق، بالإضافة إلى هذا فقد ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وخصوصًا ضد الأهالى المدنيين فى المدن والقرى السنية.
ثانيًا: يسجل التقرير أن إيران تستخدم «فيلق القدس» فى الحرس الثورى الإيرانى لتطبيق أهداف سياستها الخارجية، والقيام بعمليات مخابراتية سرية، وإشاعة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، كما يذكر التقرير، أن «فيلق القدس» بالحرس الثورى هو الأداة الأساسية بيد النظام الإيرانى، فى ممارسة وفى دعم الإرهاب فى خارج الدولة الإيرانية، بما يحقق لها نفوذًا فى مناطق التدخل بعينها.
ثالثًا: يشير التقرير كذلك إلى أن أنشطة إيران الإرهابية هى والقوى العميلة التابعة لها، لا تقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما تمتد إلى مناطق أخرى فى العالم بقارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
فى المقابل نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية تعليقًا مطولًا على هذا التقرير الصادر من وزارة الخارجية والذى يحظى باهتمام كبير فى الداخل الأمريكى، استعانت فيه بمجموعة من الخبراء للتعليق عليه وتفصيله للقراء، ومما ذكر فيه أن إيران تنفق مليارات الدولارات لملء جيوب الإرهابيين فى منطقة الشرق الأوسط، بما فى ذلك فى اليمن وسوريا ولبنان وقطاع غزة، وبحسب ما نشرته الصحيفة فإن ميزانية الدفاع الإيرانية تتراوح ما بين «14 و30 مليار دولار فى العام»، يذهب كثير من هذا المال لتمويل الجماعات الإرهابية والمقاتلين المتمردين فى جميع أنحاء المنطقة، وذلك وفقًا لتقرير خدمة أبحاث الكونجرس الذى أجرى بناءً على طلب من «السيناتور الجمهورى مارك كيرك»، حيث تعطى المعلومات تقديرات لكل مجموعة من المجموعات التى تدعمها إيران، قدر الباحثون فيها أن إيران تنفق ما بين «100 و200 مليون دولار» سنويًا على حزب الله اللبنانى، و«3.5 مليار دولار» سنويًا لدعم نظام بشار الأسد، وما بين «12 و26 مليون دولار» سنويًا على الميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق، و«10 إلى 20 مليون دولار» لدعم الحوثيين سنويًا، وعشرات الملايين سنويًا لدعم حماس فى غزة، وتذكر الصحيفة فى نفس هذا التعليق المطول، «إن إيران تدفع للمقاتلين المدعومين من قبلها فى سوريا ما بين «1000 إلى 2000 دولار» شهريًا للقتال إلى جانب قوات الأسد، وقد كشف المقاتلون الأفغان بسوريا عن تلقيهم التدريب فى إيران من أجل القتال فى سوريا، حيث يحصل هؤلاء على رواتبهم من طهران مباشرة عن طريق قيادات الحرس الثورى الذين يديرون عملياتهم داخل الأراضى السورية.
وضوح سياسة إيران فى ممارسة إرهاب الدولة ودعم الجماعات الإرهابية، مع ضعف الموقف الدولى والإقليمى لاعتبارات تتعلق بسياسات الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع، مكنت إيران أن تكون المركز الإقليمى الأخطر للشرق الأوسط والدولة التى تمارس منهجًا خاصًا بها وحدها، عبر ركائز رسمتها سياستها الخارجية منذ الثورة الخمينية فى عام 1979م، لتتشكل من خلالها خارطة عسكرية جديدة للمنطقة، تستحوذ فيها إيران على مناطق نفوذ واسعة، تحقيقًا لأهداف غير نبيلة يعتبر فى كثير من أشكاله إرهابًا دوليًا، ذلك وفق التفسير القانونى لفقهاء وخبراء القانون، وقد تلقت طهران منذ أيام قليلة لطمة قاسية عندما جاءتها من المرجع الشيعى اللبنانى البارز «على الحسينى»، عندما ذكر إن المخطط الإيرانى الأسود الذى تستهدف طهران به زعزعة الأمن والاستقرار فى المنطقة اليوم، ونحن نشهد حدوث هجمات متفرقة لتنظيم داعش ضد مختلف الجبهات، جاءت متفقة ومتناسقة مع الخط العام للدور المنوط بهذا التنظيم، فإننا يجب أن ننتبه جيدًا إلى أن معظم مقاتلى تنظيم داعش قد زاروا إيران، أو جاؤوا من خلاله، حيث ثبت أن هناك تأشيرات إيرانية على جوازات سفرهم، وهو حديث لم تعلق عليه طهران بكلمة واحدة، فربما يحمل مفاجأة إضافية أخرى بالفعل، أن ما تكشف مؤخرًا عن تعاون خفى ما بين تركيا وداعش خلال الأعوام الماضية، قد يتبعه أيضًا انكشاف جديد بأن إيران هى الأخرى تعاونت مع التنظيم، وأنها قدمت له الخدمات التى حصدت من وراءها مكاسب كبيرة صبت بالفعل فى رصيد نفوذها المتنامى بالمنطقة.