وائل لطفى
25يناير.. مؤامرة مبارك على نفسه
>>التوريث والفساد وتخريب التعليم وترك العقل المصرى للمتطرفين هى أركان المؤامرة التى قادت للثورة وليس أى شىء آخر
>>تدخل أطراف خارجية وركوب الإخوان للموجة الثورية لا ينفى أن 25 يناير كانت تعبيرًا عن غضب نبيل وصادق لملايين المصريين
>>ثورة يناير ليست صنمًا نعبده وهى ليست مستمرة للأبد وعلى الداعين لنزول جديد أن يحترموا رغبة المصريين فى الاستقرار
>>على الداعين للنزول أن يسألوا أنفسهم عن البديل؟ وهل يريدون تسليم البلد للسلفيين هذه المرة
على مواقع التواصل الاجتماعى انتشر (هاشتاج) شهير بعنوان (أنا اشتركت فى ثورة يناير).. لم أشارك فى (الهشتاج) لأسباب تخص سوء علاقتى بوسائل التواصل الاجتماعى.. ولكننى أرى هذا المقال مناسبة جيدة لأن أقول بفخر إننى اشتركت فى ثورة 25 يناير.
وأراه مناسبة جيدة أيضًا لأن أقول إنه ليس ذنب ثورة يناير أن الإخوان سرقوها أو ركبوها، ولأقول أيضًا إن الأصوات الجاهلة التى تهاجم ثورة يناير وتصفها بـ25 خساير أو بنكسة يناير هى أصوات جاهلة، تضر من حيث أرادت أن تنفع، وتزيد اشتعال النار التى تظن أنها تريد أن تطفؤها.. أعترف أيضًا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمصر كانت أفضل عشية ثورة يناير عنها الآن، ولكن مصر كلها باقتصادها ونخبتها ونسبة نموها الـ7 فى المئة كانت موضوعة فى حلة بخار فوق نار موقدة، وكانت على موعد مع الانفجار.. ولا يهم فى هذه الحالة نوع الطعام الموجود داخل الإناء ولا مدى جودته مادام البخار يتراكم والغضب يغلى فى الصدور والانفجار قادم.. قادم.
لم تكن 25 يناير مؤامرة بل كانت صرخة غضب من طليعة المصريين ضد امتهان كرامة بلد بكامله، وإذا كانت ثمة مؤامرة فهى مؤامرة الرئيس الأسبق مبارك على نفسه.. نعم تآمر مبارك على نفسه حين ترك الشيخوخة والوهن تضرب فى أركان نظامه دون تفكير فى مستقبل البلد.. وتامر على نفسه حين استلم لسيناريو التوريث دون أن يعرض الأمر على حسابات المنطق والواقع، ويرى هل يقبله المصريون أم لا ؟
وتآمر على نفسه حين انعزل فى شرم الشيخ وترك إدارة البلد لنجله ولشلته دون أن يدرك أنه قد آن الأوان لرحيل يحفظ له كرامته ويحفظ للبلد حقها فى انتقال أمن وكريم للسلطة، ربما كان قد جنب البلد الكثير مما تعانيه الآن.
تآمر مبارك على نفسه حين عقد مع السلفيين والإخوان اتفاقًا صامتًا يترك لهم بمقتضاه الشارع وعقول الناس وأدمغتهم ويتركون هم له كرسى الرئاسة، فلما دقت الساعة استطاعوا أن يلعبوا بعقول الناس وأن يتخذوهم سلمًا نحو السلطة.. ثم يثور الناس ضدهم فى لحظة استفاقة لينشب صراع مازالت مصر تعانى من آثاره حتى الآن.
وتآمر مبارك على نفسه وعلى مصر كلها حين أهمل التعليم والصحة والثقافة وترك الشخصية المصرية نهبًا لعوامل التشويه المختلفة، ولعل هذا أيضا مما تعانيه مصر الآن.. ولمزيد من الشرح أقول إن نظام مبارك فى مراحله المختلفة شهد عددًا من الكفاءات فى مستويات الدولة المختلفة حتى وإن تلوث بعضهم فى الفساد.. وبحسبة بسيطة ستكتشف أن كل رجال نظام مبارك تلقوا تعليمهم فى خمسينيات وستينيات وربما سبعينيات القرن الماضى، بل سافروا جميعًا فى بعثات على نفقة الدولة لاستكمال تأهيلهم.. أما الآن فنحن نحصد ثمار المسئولين الذين تعلموا فى عصر مبارك، أى وزير أو محافظ فى الأربعين أو الخمسين من عمره تلقى تعليمه الأساسى فى عصر مبارك، وهو عصر انهار فيه التعليم، والثقافة وكل أسس الشخصية المصرية، والآن نحن نحصد الحصاد المر.
تآمر مبارك على نفسه حين رفض تحذيرات الأجهزة الأمنية من غضب المصريين فى 25 يناير، وحين رفض إجراء أى إصلاحات سياسية يخفف بها من غضب الناس، أو يقول لهم بها إنه يحترمهم.. فأين المؤامرة الخارجية إذن ؟
نعم تحركات جهات أجنبية، ولعبت فى مسرح الثورة واستغلت الأحداث وجندت العملاء.. وظهر الإخوان فى المشهد ثم سرقوه.. لكن كل هذا لا ينفى أن شرارة الغضب التى اشتعلت فى الصدور هى شرارة صادقة ومصرية أصيلة.
تآمر مبارك على نفسه حين تخيل أن نجله وهو شاب لم يقض الخدمة العسكرية يمكن أن يصبح قائدًا أعلى للقوات المسلحة المصرية، وأنه يمكن أن يفرض وضعًا مثل هذا على رجال الجيش المصرى دون حتى أن يستطلع رأى المؤسسة، أو يقيس مدى الرضا أو الغضب من خطوة كانت ستغير تاريخ مصر بالكامل.
فأين إذن المؤامرة التى يتحدث عنها أنصار مبارك وجماعته ؟
حتى الحديث عن ارتباط بعض النشطاء بجهات أجنبية أو سعيها لهم وسعيهم لها لا يمكن أن يلوث مئات الألوف من المصريين الذين خرجوا للملايين يعلنون عن غضبهم ورغبتهم فى مستقبل أفضل لبلد حاصره الفساد حتى كاد يخنقه.
ومع ذلك وربما لكل ذلك أقول أيضا أن ثورة 25 يناير ليست صنمًا نعبده، وأقول أيضا إن لدينا فى التاريخ ثورة يناير واحدة لن تتكرر.. وأن علينا أن نمنح مصر وأن نمنح أنفسنا أيضًا فرصة لالتقاط الأنفاس، وأن على من يطالب بالنزول فى 25 يناير أن يسأل نفسه لماذا ؟ وبماذا؟ وكيف ؟
هل نريد إسقاط النظام؟ حسنًا وما البديل إذن؟ هل نسلم البلد مرة أخرى للإخوان؟ هل نريد أن نجرب حكم السلفيين؟ هل هناك بديل جاهز؟.. هل نريد أن نقود البلاد إلى الفوضى المجردة ؟.. هل نريد أن نقودها هذه المرة إلى التقسيم؟
ثم إذا كان الجميع يعرف أن الغالبية العظمى من المصريين الآن تتمسك بنظام الرئيس السيسى، وترى فيه الأمل فى العبور بمصر نحو المستقبل فما معنى النزول؟ هل هو نزول ضد رغبة الشعب؟ هل هو سعى لقيادة شعب لا يريد أن يثور حاليًا، ويرى أن هذا ليس فى مصلحته؟ هل يمكن لثورى أن يقود شعبًا ضد رغبته؟
وبعيدًا عن هذه الأسئلة.. هل تعنى دعوتى لعدم النزول أن كل شىء على ما يرام؟ إجابتى بالتأكيد هى لا.. هناك الكثير الذى يستحق أن نعارضه.. تماما كما أن هناك إيجابيات لا شك فيها.. علينا أن نعارض ما يستحق المعارضة إذن، وأن نخوض المعارك لتصويب ما نراه خطأ.. ولكن هذا لا يتحقق فقط بالنزول فى 25 يناير.. ولذلك حديث آخر.