فريدة الشوباشى
تداعيات فاجعة التحرش فى المانيا
لا تزال المقالات تدبج والآراء تتضارب بصدد ما جرى فى مدينة كولونيا بالمانيا، ويقال إنه نفس ما حدث ايضا فى هامبورج وشتوتجارت، وآعنى فاجعة التحرش الجنسى شبه الجماعي، ليلة رأس السنة الميلادية.. ومعروف ان الواقعة، نُسبت الى مهاجرين عرب ومسلمين، ومن ثم انطلقت حملة مفزعة ضد المتحرشين، مع التشديد على كونهم من العرب وكذلك من المسلمين..والغريب ان آفة التحرش الجنسى لم تظهر فى مجتمعاتنا بتلك الصورة المخجلة، إلا مع تعاظم نمو الجماعات التى تتستر بعباءة الاسلام، وسيطرتها على المدارس والمنابر ووسائل الإعلام، لا سيما القنوات التليفزيونية.. ويرصد المتابع لنشاط هذه الجماعات، والذى كان بتواطؤ كامل من جانب الدولة، انها تبدأ بنشر مخططها تحت شعار الحرية الشخصية التى سرعان ما تتكشف وتنقلب الى أوامر قهرية وإخراج غير المتفق معها من زمرة المواطنين، بل وقبل ذلك من زمرة المسلمين..لا يتسع المجال هنا للاستفاضة فى جوانب هذا التحول الذى طرأ على مجتمعنا، فى العقود الأخيرة، ومفرداته، من أمثال اطلاق صفة «الملتزمة» على من ترتدى الحجاب واستخدام عبارات مسيئة لمن لا ترتديه مثل، سافرة ومتبرجة،الخ الخ.. وفى نفس الوقت، نشطت هذه الجماعات فى ترسيخ مقولة أن النقاب هو قمة الاحتشام، ودليل عفة من ترتديه وغير ذلك من الإشادات..ومعروف ان الحجة الاساسية لذلك المنحى هو اعتبار المرأة عورة، بداية من شعرها وصولا الى الوجه ذاته هذه التطورات، التى تُعد أمضى اسلحة التدمير الذاتي، للوطن العربي، الذى يعانى من تخلف تكنولوجى معيب، وتتردى أحوال فقرائه يوما بعد يوم، يتابعها العالم من حولنا ويتم توظيفها وفق هوى من يريد استغلالها..فبعد حادثة المانيا، ساد اتجاه فى المقالات، بأن العرب والمسلمين غير قادرين على كبح جماح شهواتهم ويدللون على ذلك بمطالبتهم لنسائهم بتغطية كامل الجسم، بما فى ذلك الوجه ولن يعدم هؤلاء العثور على أدلة يسوقونها تأكيدا لاتهاماتهم، من مقاطع مما يردده «شيوخ أو دعاة» كما يطلقون على أنفسهم ويطلق مريدوهم عليهم، تتمحور من أولها الى أخرها حول تأكيد دونية المرأة ،وتحميلها مع ذلك مسئولية أى شطط، وإنها كلما تخفت اقتربت من الجنة.. وبحيث لا يبذل «الرجل» أدنى جهد لعدم التحرش بها.. هذا الخطاب المعيب، أتى بنتائج عكسية، حيث أشعل خيال الذكور، شيوخا وكهولا وشبابا،وجعل من جسد المرأة، الفريسة، أو الحلم الواجب التحقيق..وهو ما استقر فى وجدان العديد من المهاجرين العرب الى دول اوروبا، وخاصة المانيا، التى قيل إنها استقبلت أكثر من مليون لاجئ فى الآونة الأخيرة.. وقد أحسن قطاع كبير من لاجئى المانيا صنعا بتنظيم مظاهرات تندد بسلوك المتحرشين وتقدم الورود للضحايا، على سبيل الاعتذار، والأمر الأكيد فى نظري، هو ضرورة تصدى الدولة لمروجى هذا الفكر المتخلف والإسراع بدحض افكار وخطاب الجماعات المتأسلمة عن الاسلام، هذا الدين الذى لم يشهد مثل هذا التشويه ممن يدعون الانتماء له، بدلا من الترويج لمبادئه النبيلة.. ويجب ألا ننسى فى هذا السياق الاضرار، بل الكوارث الاقتصادية، التى يمكن ان تنجم عن ترسيخ هذه الصورة المفزعة عن «العرب والمسلمين» بحيث اضحت الملامح العربية دليل اتهام او توجس او اشتباه.أو نفور .واذا ما اعرب احد عن رأيه ،تنهال عليه الأوصاف المرعبة من الكفر والانحلال ومعاداة الاسلام الذى احتكروه وشوهوا صورته.. ولنتأمل مثلا ما يمكن أن يحدث للنشاط السياحى وهل المرأة الأجنبية الزائرة، التى لم تفلت من بشاعة التحرش الجنسى فى بلدها، على استعداد لزيارة أى دولة، تركت الأفكار الظلامية تسود وتخنق أى صرخة تنادى بالدفاع عن الاسلام الحقيقي.. وهل يحق لفئة صغيرة من انصار التيارات الظلامية ان تقطع عيش المهاجرين العرب والمسلمين الذين هاجروا، هربا من ظروف معيشتهم فى اوطانهم، وراحوا يبحثون عن الرزق فى بلاد الله الواسعة.. او بالأحرى التى كانت واسعة؟.