سامح عيد
25 يناير عيد الثورة.. لن ننساها
العالم لن ينساها فكيف لنا أن ننساها؟!
عندما ولد ابني في تاريخ يفصله عن تاريخ عيد ميلادي يومان فقط، من يومها لم يُحتفل بعيد ميلادي، فقد كانت الأولوية لعيد ميلاده، يوضع على التورتة سنواته هو، هو من يطفئ الشمع، هو الذي يقال اسمه في الغناء، وتقبلت هذا بكل سعادة، فالماضي لنا والمستقبل لهم، الذكريات لنا، والأحلام والأمنيات لهم، نزلنا الثورة من أجلهم، ولن ننساها لأجلهم أيضًا، لن تقر لنا عيون حتى نطمئن على مستقبل لهم أفضل من ماضينا، ما زالت أهداف الثورة حبيسة، ولكن الطاقة التي في الصدور والقلوب ما زالت حية تنبض، الذكريات سنظل نحكيها كلما جاء عيدها، رائحة الغاز لم تنسَها أنوفنا بعد، ربع قرن من الرتابة في حياتنا جميعًا عندما تمر أمامنا لا نجد فيها إلا أيام الثورة تستحق التذكر، فربع قرن لا يحتل إلا كادرًا واحدًا من شريط طويل تملأه 18يومًا وأيام قليلة متفرقة تلتها، أحدها 30 يونيو، مشهد الفتيات والغلمان في سن غض وهم يرتدون أفخم الثياب دلالة عن الطبقة التي جاؤوا منها وآخرين معهم، في السادسة صباحًا وهم يحملون الأجولة ويرتدون الكمامات، ويلتقطون أكياس الشيبسي وزجاجات الماء الفارغة وأوراق المناديل ويحملونها في الأجولة ويذهبون بها بعيدًا، ليعود الميدان نظيفًا جميلًا مستعدًّا لاستقبال زوار جدد وهو في أبهى صورة، دوريات الحراسة المتتابعة على مداخل الميدان التي تدار بكل دقة، مثل أي كتيبة في وقت الحرب، يبدأ الجوع يداعب أمعاءنا، كأن عفريت الفانوس يلبي، تجد من يوزع الباتيه أو الأقراص المحشوة بالعجوة، ويليه من يوزع ساندوتشات الفول الشهية، وليست عزومات مراكبية كما هي العادة، في أروقة المصالح الحكومية، ولكنها عزومات حقيقية ونظرات أعين راجية بالقبول، وحزينة للرفض، ولا يلبس أحدهم أن يضع في يديك كوب الشاي الساخن، بعد ليلة قارسة من البرد، وتجد منحة إلهية بشمس مشرقة بعد يوم من البرد القارس، الذي جمَّد أطرافنا، تفتح الخيام أبوابها، ويبدأ النقاش والحوارات ممتدة من هنا ومن هناك، حلقات هنا للغناء، جولات هناك للهتاف، اتصالات تليفونية لمعرفة أخبار النشرات ومن معنا ومن ضدنا، ويبدأ المبدعون في رسم صور كاريكاتورية لأعداء الثورة، منددين بهم، نلتف حول نجوم الإعلام من السياسيين، نقرأ أفكارهم ورؤاهم، وما يحدث خلف كواليس السلطة، عمرو حمزاوي وجورج إسحق وحمدين صباحي ومصطفي حجازي، يبثون الأمل، يؤكدون الاستمرار، أصوات عربات الإسعاف وهي تلتقط المصابين من أمام المتحف المصري أو من شارع محمد محمود وهي تذهب مسرعة إلى كنيسة الدوبارة أو إلى المستشفى الميداني، أو معرفتنا بأن هذا توفاه الله، أو أن هذا إصابته خطيرة، وتألمنا وإصرارنا على الاستمرار حتى لو متنا جميعًا، صور الشهداء في النصب التذكاري في الميدان، نمر علىها يوميًّا ونتذكرهم وندعو لهم بالرحمة، وكل من في الميدان يعرف، أن هناك شهداء كثرًا مجهولين، من البسطاء الذين لحقوا بنا، كأنهم يقولون لنا، كان أولى بنا أن نقوم بالثورة منكم، وما دمتم قد بدأتموها، فدمنا دون دمكم، وأرواحنا فداءً لأرواحكم، ووالله لم تكن عزومة مراكبية، وهؤلاء المتحمسون شاهدناهم محمولين في لحظات فارقة حماية للميدان، واستبسالًا في الدفاع عنه، لم يكن هؤلاء متآمرين، هذه الروح كانت حقيقية، أما هؤلاء العابثون الذين يزبدون كل يوم بالمؤامرة والنكسة، أما الذين يظنون أنهم قادرون على أن ننسى الحلم وننسى الذكرى، فهم واهمون، وأتعجب من برلمانيين يلعنون الثورة، وهم ما كانوا يحلمون بأن يجلسوا على تلك الكراسي إلا بفضل الثورة، وأكثرهم ألمًا تلك الكاتبة المعينة، التي تثير الغثيان بكلماتها الكارهة، وأتمنى أن يسكتها أحد لأنها تمثل حرجًا كبيرًا لمن عيَّنها، كنت أتمنى من الرئيس السيسي في 25 يناير، أن يكون على المنصة مع أسر شهداء الشرطة في عيدهم، أمٌّ أو اثنتان من أسر شهداء يناير، أين أم خالد سعيد؟ أين أم محمد الجندي؟ أين أسرة الحسيني أبو ضيف؟ لأنه عيدهم أيضًا، حتى لو مسحوا الجرافيتي من على الحوائط، انتهى الأمر فقد حفرت صورهم في قلوبنا، ما زالت صورة مينا دانيال والجندي وجيكا وأبو ضيف وغيرهم في قلوبنا، الروح التي رسمت كانت صادقة، الصور كانت ناطقة لمن يسمع لغتها الروحانية، الملايين التي نزلت الميدان، لن تنسى تلك الذكرى، لا أنسى تلك الأم ومعها بناتها الأربع ومن الطبقة الراقية، ولم تكن تعرف الميدان، التاكسي أوصلها لباب اللوق، استوسمت فينا خيرًا، كنا نشتري بعض الأغراض، سألتنا أين ميدان التحرير؟ أخبرناها أن تأتي معنا، وتجاذبنا معها أطراف الحديث، أخبرتنا أنها دكتورة، وأن أبو البنات في الخليج، وهي ذاهبة إلى الميدان ببناتها دون رغبته ودون علمه، النشرات والمعلومات حركت ضميرها، فهل هناك خوف؟ أخبرناها بالاطئنان الكامل، فالميدان مليء بالسيدات والفتيات، لم نكن نسمع وقتها عن حالات تحرش، لم تحدث إلا في الأيام اللاحقة، عندما سلط المتآمرون على الثورة البلطجية والسفلة للإساءة للميدان، ومنع النساء من النزول، لأنهن كن زخم الثورة الحقيقي، وستظل قلوبهن الحية دافعة، وعقبة كؤودًا، لأي محاولة على الالتفاف على المطالب الحقيقية، وسيظل يوم 25 يناير مؤرقًا، لأعداء الثورة والمتآمرين عليها، حتى تتحقق مطالبها كاملة، عيش، حرية عدالة اجتماعية، ولن تكفي المساحة لسرد الذكريات الكثيرة.