لم تكن الأحوال فى مصر تُغرى بوقوع ثورة. الشباب الغاضب من بعض التجاوزات، كان يعرف أن ثمة مؤامرة دولية كبرى تستهدف استقرار مصر وأمنها ومؤسسات دولتها "الجيش والشرطة والقضاء"، الدولة إيه غير هذه المؤسسات.
* وقتها كنت أتعجب، لماذا لا يتحدث أحد بذات الجزع والرعب عن استهداف مؤسسات الدولة "المستشفى والمدرسة والمصنع والقطار وهيئة النظافة" لكن عاقلا ملما بجوانب الأمور كان يرد ساخرا: "وهى دى اسمها مؤسسات دولة يا راجل".
* فى ذلك الوقت من مساء 24 يناير 2011، نجح الكاتب الصحفى المستقل الشهير والمقرب من دوائر الحكم، فى الحصول على محضر اجتماع مخابراتي دولى، عقدته المخابرات الأمريكية فى قاعة فولاذية الجدران داخل قاعدة عسكرية تابعة لحلف الناتو فى جزيرة إيطالية، وحضره رؤساء المخابرات الأمريكية والألمانية والفرنسية والبريطانية والإسرائيلية والإيرانية والروسية، والبيلاروسية، والكورية الشمالية والجنوبية، والتركية، وحزب الله وحركة حماس" لوضع خطة لزعزعة استقرار مصر، مثلما حدث فى تونس التى نجحت المؤامرة الكبرى فى حرمانها من "الشريف العفيف طاهر اليد زين العابدين بن على".
* مصر كما تعرف مستهدفة طوال تاريخها، هكذا تقول الكتب المدرسية والإعلام الرسمي، العالم كله مشغول بالتآمر عليها وبعرقلتها، كل الإمبراطوريات تخشاها، وتنشغل مع مطلع كل صباح فى إيذائها، لذلك استوعب شباب "25 الطاهر" أبعاد المؤامرة، لذلك قرر أن يسمو فوق أسباب غضبه المحدودة جدا لـ"تعلو مصر".
* فى صباح يوم 25 يناير من عام 2011، نزل الشباب الطاهر يفجرون ثورة جديدة فى حب مصر، ولتجديد الثقة فى الرئيس الأب محمد حسنى مبارك، وفى حزبه الوطنى الديمقراطى بزعامة قائد جيل المستقبل جمال مبارك.
* حمل كل شاب "وجبته وعلبة العصير وورقة بـ20 جنيها" وهو سعيد وراض برزق اليوم، وتقدمت الجموع حتى النقاط الأمنية وقذفوا الشرطة بالورود، احتفالا بعيدها الميمون، وبعثوا ببرقية إلى اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية يعربون فيها عن تضامنهم ودعائهم له فى مهمته الثقيلة، كان العادلى قد خرج فى حوار تليفزيونى الليلة الفائتة، حقق مشاهدة كبرى بسبب الصدق الكبير الذى أظهره.
* تلك الجموع هتفت تؤيد رواية الشرطة فى مقتل خالد سعيد، "ابتلع لفافة البانجو"، صفحة "كلنا خالد سعيد"، غيّرت اسمها إلى "كلنا لو فعلنا مثل خالد سعيد نستاهل نكون خالد سعيد"، وترتفع لافتات "لا للمخدرات، لا للبانجو"، كان "عماد الكبير" وسط هذه الجموع جاء خصيصا لمقابلة السيد رئيس المباحث ومعه عصا خشبية تخص سعادته، وكان قد نسيها فى مؤخرة عماد، واقتضت الأمانة أن يعيد الرجل الحق لأصحابه، ربما كانت الخشبة من أدوات الأمن وغيابها قد يؤثر على كفاءة حماية الأمن، وربما كانت "عُهدة".
* لم ينس الشباب الطاهر أن يعبر شارع محمد محمود، من وزارة الداخلية فى اتجاه مجلس الشعب، للرد على كل الأكاذيب التى تحدثت عن تزوير الانتخابات، ولتجديد الثقة فى البرلمان الشرعي المنتخب، قبل أن تأخذ الجموع طريقها إلى الكورنيش فى اتجاه الحزب الوطنى، وهناك عند صورة جمال مبارك المعلقة على المبنى مستندا إلى حائط، يهتفون "الحزب الوطنى فى مصلحتك والمستقبل ليك".
* فى تلك اللحظة كانت شاشة التليفزيون المصرى تجرى مداخلة مع "تامر من غمرة" الذى كان مع الجموع ويتحدث عن أنهم "شباب مصرى جدع يتكلم عربى مصرى ومعهم وجبات كشري وفول وطعمية وربع فرخة مشوية"، الفنان طلعت زكريا كان ضيفا على أحد البرامج وتحدث عن صور جاءته من قلب المظاهرة عن "علاقات إنسانية كاملة ومحبة كبيرة جمعت شباب الميدان الطاهر"، والفنانة عفاف شعيب كشفت أن عصر مبارك هو أزهى عصور الرفاهية التى مرت على مصر، يكفى أنه نجح فى توفير "الريش والكباب" حتى للأطفال الرضع.
* فى اليوم التالى كانت البرقيات تنهال على القائد الأب من مؤسسات الدولة والأحزاب والجيش والأندية الرياضية للتهنئة بتجديد الثقة الشعبية الكبيرة، والرئيس يُلقى خطابا تاريخيا يجدد فيه العزم على المضى فى ذات السياسات، ويعتبر مظاهرات اليوم استفتاءً على الاستمرار فى الخصخصة، وفى تعزيز دور رجال الأعمال فى الحكومة، وفى تجديد شباب الحزب الوطنى.
* جمال مبارك عقد صفقة جديدة لشراء جزء جديد من الديون المصرية، وتحالف لرجال أعمال استحوذ على أراض لمشروع جديد مجانا، والصحف تتحدث عن مواجهة مكتومة بين القوات المسلحة التى تقول إنها تملك الأرض، وبين الحكومة التى أصدرت قرار التخصيص، ومبارك يقول لقادة فى الجيش "إنتوا فاكرين إنتوا بس الوطنيين فى البلد دى".
* المحكمة تصدر حكمها ببراءة ضابطين واثنين من المخبرين فى قضية مقتل خالد سعيد وتستند إلى تقرير الطب الشرعى الذى أكد أنه ابتلع لفافة بانجو، ومحكمة أخرى تعتبر تصدير الغاز لإسرائيل من أعمال السيادة، والحكومة ترفض تنفيذ حكم قضائى بفسخ عقد بيع إحدى الشركات العامة، وتدعو ممدوح إسماعيل مالك العبارة الغارقة إلى استكمال مشروعاته بعد حصوله على البراءة، والحكومة تعلن استراتيجيتها لمواجهة سد النهضة على لسان أحمد نظيف بقوله: "ماحدش بكرة الصبح هيفتح الحنفية مش هيلاقى ميه.. ماتصدعوناش".
* الرئاسة ترد على تقرير"معتصم فتحى" ضابط الرقابة الإدارية الذى وجد مخالفات فى بعض فواتير القصور الرئاسية بإحالة 3 موظفين فى الرئاسة وشركة المقاولون للعرب إلى النائب العام، والنائب العام السويسري ينفى ما نسبته له وسائل إعلام مغرضة عن وجود أرصدة لمبارك ونجليه فى بنوك سويسرا، وحسين سالم يحصل على امتياز جديد لتصدير الغاز المصرى.
* عمال طنطا للكتان يواصلون المبيت على رصيف مجلس الشعب ويعترضون على بيع الشركة بأقل من ثمن الأرض السوقي، وعمال غزل شبين يواصلون اعتصامهم، وعمال المحلة يواصلون تعليق العمل، والحكومة تعلن عن تقييم للشركة العملاقة لبيعها، وتُصر على تقييم الأصول دفتريا وليس بالقيمة السوقية لحظة البيع.
* المجلس الأعلى للقضاء يلتمس من الرئيس مبارك إعادة النظر فى الأجور والبدلات القضائية، لكن الرئيس يرد بأن الموازنة لا تسمح، وحبيب العادلى يدعو إلى تأسيس صناديق لمساعدة الضباط بالقروض، بسبب صعوبة زيادة رواتبهم، وغضب مكتوم بين الأفراد والأمناء بسبب ثبات رواتبهم عند الحدود الدنيا.
* القيادة العامة للقوات المسلحة تنفى حدوث أى زيادات فى رواتب أو معاشات العسكريين، ويؤكد أن أبناء الجيش هم أول من يضحى فى الظروف الاقتصادية الصعبة، وعشرات الآلاف من العمالة المؤقتة وحملة الماجستير والدكتوراه يواصلون احتجاجاتهم من أجل التعيين والتثبيت، وأستاذ جامعي يبكى فى أحد البرامج الصباحية وهو يقول للمذيعة إن راتبه 900 جنيه بعد ماجستير ودكتوراه وأبحاث.
* السلفيون يواصلون وجودهم فى المساجد والجمعيات ومنافستهم للإخوان على مساحات العمل الدينى والاجتماعى، ومرشد الإخوان يجرى حوارا صحفيا عن رفض الجماعة لأى احتجاجات معارضة، وعن مبارك الأب وولى الأمر، مؤكدا أن الجماعة ترغب فى الإصلاح وليس الثورة، وتتمنى عودة السياسات إلى ما كانت عليه من تعاون منذ الغزو الأمريكى للعراق، وذروتها فى 2005.
* قيادات فى الحزب الوطنى تتحدث عن أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والبرلمان يرفض بالإجماع تعديل المادة "76 ولا 77" من الدستور.
* البرادعى يحتج على قرار البرلمان رفض تعديل الدستور، ويعلن العودة إلى النمسا، والشباب يتهمه بالهروب.
* محكمة النقض تصدر تقاريرها عن بطلان الانتخابات البرلمانية فى مئات الدوائر ومجلس الشعب ينعقد ويقرر أن المجلس سيد قراره، ويوافق بالإجماع على الانتقال لجدول الأعمال.
* فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، والرئيس مبارك يعلن عدم رغبته فى الترشح ويدعو الحزب الوطنى لعقد مجمع انتخابى لاختيار مرشحه فى الانتخابات الرئاسية.
* رموز من المعارضة المصرية يجمعون التوقيعات لإقناع اللواء عمر سليمان مدير المخابرات بالترشح للرئاسة، وكُتاب صحفيون يدعون الفريق أحمد شفيق وزير الطيران للترشح، وارتياح شعبى كبير من طرح الاسمين، لكن خبراء القانون الدستورى يعلنون عدم انطباق شروط الترشح على أى من الاثنين أو أى قيادة عسكرية من دولاب الدولة ليست عضوا فى الهيئة العليا لأحد الأحزاب وفق المادة "76" من الدستور.
* اجتماع عاصف فى الحزب الوطنى ينتهى باختيار "مُفجر ثورة التطوير والتحديث فى الحزب" جمال مبارك مرشحا للحزب فى الانتخابات الرئاسية، والرئيس مبارك يؤكد احترامه قرار الحزب، ويقول إن الاختيار للشعب وحده.
* رجال الأعمال يملؤون الصحف ووسائل الإعلام بإعلانات التهاني لجمال مرشحا باسم المستقبل وروح الشباب، وكتاب وسياسيون يؤكدون أن الحُكم للصندوق، ويدعون المعارضة الرافضة لترشح نجل الرئيس لتقديم بديل، والتعبير عن رأيها فى صندوق الاقتراع.
* اختفاء الصحفى عبد الحليم قنديل بعد أن كتب مقالاً عنوانه العار، ومصادر أمنية تنفى وجوده لدى وزارة الداخلية، وأسرته ترجح اعتقاله بواسطة القضاء العسكرى بعد أن حرض فى مقاله الجيش للانقلاب على الرئيس مبارك لوقف مهزلة التوريث.
* أحزاب تعلن تقديم مرشحين للرئاسة فى مواجهة جمال مبارك، والشارع يبدو منحازا لمبارك الابن لأسباب كثيرة:
- شاب ومتعلم كويس وأبوه إداله خبرة.
- أمريكا عاوزاه.
- ابن ناس وشبعان ومش هيسرقنا.
- سرقوا كتير وشبعوا خلاص وهيبدؤوا يبصوا للبلد.
- اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش.
- ماتاخدش واحد لسه هيعرف البلد بتشتغل إزاى.
- أبوه هايفضل معاه وفى ضهره.
- يعنى نختار واحد جديد علشان يجرب فينا.
- يا عم كفاية إنه مدنى بقالنا 60 سنة فى حكم عسكريين.
* بينما كانت معارضته تدور حول قضايا الفساد واستمرار السياسات التى تهتم برقم النمو على حساب الثمار وتمنح البلد لرجال الأعمال، لكن كان هناك من يهمس:
- الجيش بيغلى.
- الجيش مش عاوزه.
- المشكلة إن طنطاوى ماعندوش طموح ومش عاوز السلطة.
* إعلاميون وكتاب وصحفيون ورؤساء تحرير ينخرطون فى الحملة الانتخابية لجمال مبارك، والداخلية تطارد شباب يوزع ملصقات لرفض التوريث، وواشنطن تطلب احترام إرادة الشعب فى الصناديق.
* اجتماع غير معلن بين عمر سليمان وممثلين عن جماعة الإخوان، ينتهى إلى الاتفاق على بدء مرحلة جديدة يمكن السماح فيها للجماعة بحزب وجمعية، مقابل تأييد جمال مبارك.
* الجماعة تعلن أنها تترك لأعضائها وأتباعها ومحبيها الخيار فى الانتخابات دون فرض اسم محدد، وتدعوهم وجميع المصريين إلى اختيار مبنى على الكفاءة والخبرة والانفتاح.
* إقبال أقل من المتوسط على صناديق الانتخاب، واللجنة العليا للانتخابات تُعلن فوز المرشح جمال مبارك بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، والرئيس الجديد يتلو القسم أمام أعضاء مجلس الشعب وسط تصفيق حاد، وحفل تسليم وتسلم للقيادة بين الرئيس الأب والرئيس الابن فى "الهايكستب"، وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤدون التحية العسكرية للقائد الأعلى للقوات المسلحة الجديد.
* التهاني تنهال على الرئيس الجديد من السادة ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة، ودول الخليج تعد باستثمارات ومساعدات لمساعدة الرئيس الجديد على تحقيق برامجه.
* الرئيس جمال مبارك يقرر تعيين اللواء حبيب العادلى نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الأمنية والاستراتيجية، وتعيين اللواء حسن عبد الرحمن وزيرا للداخلية، والفريق سامى عنان قائدا للقوات المسلحة.
* الرئيس يعتمد حركة ترقيات بالقوات المسلحة، واللواء عبد الفتاح حسن خليل السيسى يؤدى اليمين الدستورية محافظا لشمال سيناء.
* لميس جابر فى حوار تليفزيونى، 23 يوليو لا ثورة ولا مجيدة ولا مباركة دى كانت انقلاب، والشعب المصرى أسقطها أخيرا بعد 60 سنة بانتخاب جمال مبارك.
* مواطنون على مقهى: "حرامية حرامية يا عم بس سايبنا نعيش".