الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
ثورة السادس والعشرين من يناير؟
بعد ما انجلى غُبار يوم الخامس والعشرين من يناير 2011م، عاد من خرج متظاهراً قاصداً وجه رب كريم ووطن عادل رحيم وحكم بالقسطاس المستقيم، عاد حالماً بيوم تظاهر جديد يدق ناقوس الخطر الشعبى فى آذان نظام حكم طال بقاءه حتى توهم سدنته الخلود، وظنوا أن لن يقدر عليهم أحد. لم تكن قطاعات الشباب العريضة التى خرجت قد حصلت على تمويلات ولا أخرجتها «أجندات»، وما حرك ساكنها إلا ركود سيطر على الحياة فأحالها ممات. كانوا (شوية عيال مش عارفين عايزين يورطونا فى إيه)، هكذا نصاً قالها الدكتور محمد مرسى عضو مكتب الإرشاد، أمام العبد لله فى مكتب السكرتارية الملحق بمكتب المرشد العام وقتها، كان ذلك عصر الأحد 23 يناير 2011م.

لم أندهش من تقييم المشرف على المنطقة المركزية فى التنظيم الإخوانى قطاع القاهرة الكبرى-، فالرجل قاد من قبل بتوجيهات من خيرت الشاطر- رفضاً للمشاركة فى إضراب السادس من إبريل، واستطاع مع محمود عزت ومحمود غزلان أن يحولوا دون تنفيذ قرار المرشد العام السابق محمد مهدى عاكف بالمشاركة فى دعوة العصيان المدنى التى تزامنت مع يوم ميلاد «مبارك». كما إن الرجل نفسه مرسي- استطاع أن يدير دفة التنسيق مع الجمعية الوطنية للتغيير فى فعاليات معارضة مبارك وحملة التوقيعات على مطالب البرادعى للإصلاح، دونما أن يحصل أى من مكونات المعارضة المصرية من الإخوان على غير ما يريدون.

لكن السؤال الذى كان يطرح نفسه بقوة على الموقف الإخوانى من (دعوات التظاهر فى 25يناير)، هو كيف لأكبر جماعة معارضة أن تتخلى عن دعوة تظاهر أعلنت معظم قوى المعارضة المصرية المشاركة فيها، ووصل حجم تبرؤ واحد من أهم صناع القرار التنظيمى الدكتور محمد مرسى باعتباره حاصلاً على الصلاحيات اللازمة من الشاطر- أن يقول (نحن لا نتبنى الدعوة ولا نشارك ولا علاقة للإخوان بالموضوع).

ولكن غبار الخامس والعشرين من يناير 2011م، لم يكد ينجلى عن صبح الأربعاء السادس والعشرين من نفس الشهر، حتى كان أعضاء مكتب الإرشاد يتقاطرون على قاعة الاجتماعات بمقرهم فى منيل الروضة، ليعلنوا بعد مشاورات مشاركة الإخوان فى تظاهرات جمعة الغضب 28 يناير، على أن تظل أمانة مكتب الإرشاد فى حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات.

بداية من صدور بيان مكتب الإرشاد كان نوعاً جديداً من التحول يطرأ على الحالة المصرية، نوعاً تنظيمياً بنكهة إخوانية وبختم عالمى التخطيط، وينبغى هنا تأكيد أن كاتب هذه السطور كان وقت ذاك رئيساً لتحرير الموقع الرسمى للجماعة، لكن ثورة التنظيم التى بدأت يوم 26 يناير 2011م، كان لها رجالاتها المعدون سلفاً لكل التخصصات، وبالتالى كانت الحركة الإعلامية التنظيمية التى تخدم على ثورة التنظيم، أكبر من سيطرة الوسائل التقليدية لإعلام التنظيم ولهذا كان ظهوراً مفاجئاً لشبكة (رصد)، وتزامن معه متابعة لحظية من (الجزيرة) التى مالبثت أن خلفت (مباشر مصر)، وكان الإعداد للجان الشعبية ولجان التأمين والمستشفيات الميدانية، كان إيقاع الحركة التنظيمى باختصار يتحرك وفق خطة معدة سلفاً بدقة بالغة وتنتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ، داخلياً وخارجياً وربما هذا ما يفسر سرعة انطلاق عناصر حماس نحو السجون التى تحوى سجناءهم والتحرك بهم إلى غزة فى أقل من خمس ساعات، ولقد قالها خالد مشعل فيما بعد فى أثناء أحد اللقاءات التنظيمية (إحنا إلنا سككنا فى مصر اللى نعرفها أكثر منكم يا مصريين).

ما يجب التأكيد عليه فى أثناء إعادة قراءة تاريخ الثورة المصرية، هو حجم التحولات التى طرأت على المشهد المصرى بعد يوم الخامس والعشرين من يناير وما فيه، وبعد يوم إعلان الإخوان أنهم سيشاركون فى جمعة الغضب، وساعتها سنكتشف أن التنظيم قد ركب التظاهرات ليحولها إلى ثورة شعبية الصورة إخوانية التنظيم والإدارة والتفاوض، وعندما نصل إلى هذه النتيجة سنكتشف الحقيقة المرة التى مفادها أن التنظيم استلم فعلياً حكم مصر يوم أصدر بيان المشاركة فى جمعة الغضب.

وأهمية هذه الرؤية حالياً تنبع من السعى إلى تحرير الحالة الثورية المصرية من قيود الاستثمار الإخوانية والخارجية، لتعود روح شعاراتها طاقات فعل إيجابية تستحق أن يُحتفى بها كقيمة وطنية خالصة تجسد القدرة المصرية على التمسك بالحياة مهما فرض الاستبداد مواته على أجيال نمت فلم تجد إلا حاكماً واحداً أحداً.

سعى التنظيم إلى الاستحواذ على روح الثورة واحتكار دعوات الإصلاح، وتأميم النضال الوطنى فى وجه الاستبداد، وبينما كان غارقاً فى الإعداد لاستلام الدولة كان شباب الثورة غير المنتمين إلا للوطن ينظفون الميدان ويدهنون الأرصفة، حين كان التنظيم يعد للاحتفال بالتمكين كان أطهار هذا البلد يعدون للاحتفال بوطن حر كريم.

امتهن التنظيم أجمل ما أنبتته الفطرة المصرية أزهار ثورة تحرر تتفتح، وسحقت أحذية التنظيم الثقيلة، القيمة الثورية حين اعتبروها سلعة فى سوق التفاوض، فإما أن يحقق لهم المجلس العسكرى خطوات خطتهم أو (الشرعية للميدان)، وحين تبدأ خطواتهم نحو الحكم فى البرلمان يعتمدونه ميداناً للثورة و (الشرعية للبرلمان)، وعندما يصلون بأحد قياداتهم لقصر الرئاسة يعلنون (الثورة وصلت القصر) رغم أن رئيسهم كان يرى ثوار يناير (شوية عيال عايزين يورطوه)!

إذن ينبغى أن يتم التفريق بين ثورة 25 يناير المصرية مهما اندس فيها المندسون، وبين ثورة 26يناير الإخوانية التى اختطفت الحلم وساومت عليه وحين فشلت فى الحفاظ على مكاسبها منه قررت أن تحيل (الثورة) برمزيتها إلى مسخ تنظيمى مشوه يهدد كل قدرة للوطن على استثمار قدرات من أخلص لوطنه فثار أملاً مرة ليطور الوطن فى 25 يناير 2011م، وأخرى ليحرر الوطن فى 30 يونيو 2013م.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف