الجمهورية
د. أحمد دراج
هموم مصرية متراكمة المعاقون "1"
مازالت الهموم المصرية تثقل كاهل معظم فئات المجتمع المصري وتتزايد تلك الهموم كل يوم حتي تصبح عصية التحمل نتيجة عامل التراكم والقاسم المشترك بين هذه الهموم اننا لا نلتفت لأسبابها ولا نرصد أبعادها فنعالجها أولا بأول بل نهملها ونتعايش معها حتي نكاد ننساها بينما تتكاثر كالفطر وتزداد تعقيدا وغموضا بفعل عاملي الزمن واستراتيجية الهروب من مواجهتها في حينها.
وإذا بحثنا في سلة الهموم المتراكمة نجدها في التعليم والصحة والزراعة والصناعة والخدمات.. نجدها في الأمن والاقتصاد والثقافة.. نقرؤها في عيون الطلاب والخريجين وفي وجوه المعلمين والأطباء والمزارعين والعمال ونحسها في الأصحاء والمرضي ومتحدي الإعاقة فالإحساس بالمظلومية والهدر الإنساني لا يستثني أحدا من بسطاء الناس ومن تلك الفئات المهمومة بمشاكلها فئة متحدي الإعاقة عند تعاملهم مع مؤسسات الدولة البيروقراطية العقيمة التي تمسك بدولاب العمل الرسمي وتحبط أي توجه للقيادة السياسية الجديدة للتخفيف من أعباء المواطنين وحل مشاكلهم التي تراكمت عبر سنوات الضياع والفساد الذي استوطن في وعي مافيا البيروقراطية التي تصر علي الحفاظ علي مكاسبها وضمان تأميم المستقبل لصالحها ومصالح الجماعات المتحالفة معها مهما كانت العواقب وتلك هي المعضلة الكبري المستعصية علي الحل.
ان فئة متحدي الإعاقة يواجهون مشاكل لم يقو الأصحاء وأقوياء البنيان علي مواجهتها في ظل غابة تشريعية يزيد عدد أصولها وفروعها وأوراقها علي 400 "ربعمائة" ألف قانون وقرار وزاري ولائحة تنفيذية تسمح بالأمر ونقيضه وتجيز الموافقة أو الرفض أو التجميد ووقف الحال وبعض هذه القوانين يعود إلي العصور الملكية وبعضها الآخر وضع في ظل ثورة 23 يوليو والقوانين الاشتراكية وبعضها الثالث يعود لدولة الانفتاح والتسيب ورأسمالية الفوضي ودولة المحاسيب وتوريث الوظائف والامتيازات. ففي مثل هذه البيئة الطاردة للعلم والخبرة وقيم العدالة والإنسانية يقف ذوو الاحتياجات الخاصة أمام مصاعب وتحديات أكبر وهم في حيرة من أمرهم كيف يستكملون رحلة الحياة بتأمين المسكن والملبس والمأكل؟ وكيف يستطيعون تكوين أسرة وهم لا يملكون من حطام الدنيا سوي إرادة صلبة للمشاركة في بناء الوطن المثخن بالجراح والذي يعاني من ظروف اقتصادية وأمنية صعبة؟ وكيف يحصل أمثال هؤلاء علي فرصة عمل بدون واسطة في ظل أجواء تسيطر عليها البطالة بالنسبة للأسوياء وأصحاب الخبرات ويحال كثير من العاملين إلي المعاش المبكر سواء بسبب الخصخصة أو عودة المصريين العاملين بالدول العربية مثل العراق وليبيا وغيرهما بفعل العبث الدولي بالمنطقة أو بسبب تردي الوضع الاقتصادي وإغلاق كثير من المصانع والشركات لأبوابها وتسريح عمالها؟ في كل يوم نصادق واحدا وأكثر من هؤلاء الباحثين عن فرصة عمل مشروع حسب القانون 39 لسنة 1975 الذي يوفر نسبة 5% لتشغيل ذوي الإعاقة في المصالح الحكومية ومؤسسات الدولة بينما كل الأبواب مغلقة في وجوه ذويهم وآخر هذه العوائق ما ورد في قانون معاش الضمان الاجتماعي من حرمان هؤلاء من المعاش "الهزيل" إذا كانت الأسرة تملك حيازة زراعية!!!
وسؤالي الموجه إلي السيدة وزيرة التضامن الاجتماعي التي أوقفت صرف معاش هؤلاء المعوذين من متحدي الإعاقة وأسرهم هو: إذا كان القانون أعمي ولا يفرق بين من يملك حيازة زراعية لقيراطين أو بضعة قراريط ومن يحوز عشرة أفدنة فهل عميت قلوب المسئولين واستغلق علي أفهامهم أن دخل نصف الفدان أو الفدان من الأراضي الزراعية يتراوح بين 300 : 500 جنيه شهريا أي حوالي: 3000 إلي 6000 جنيه سنويا للفدان فهل تكفي ثلثمائة أو خمسمائة جنيه شهريا لمعيشة أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلين احدهما معاق؟ وهل يكفي هذا المبلغ لطعامهم وشرابهم وسكنهم وعلاجهم؟ وإذا كان هذا المبلغ لا يكفي لمعيشة فرد واحد في أقصي أقاصي الصعيد فلماذا يحرم هؤلاء المعاقين من معاش الضمان الاجتماعي الهزيل لسبب غير موضوعي وغير منطقي وغير عادل؟ والخلاصة سيادة الوزيرة: ان الرحمة فوق العدل فلنحترم الدستور الجديد في مادته 81 التي ألزمت الدولة برعاية ذوي الإعاقة وتوفير فرص عمل لهم.. أعيدوا لهم ولأسرهم معاشا كريما يحفظ عليهم حياتهم وآدميتهم فليس كل حائز لبضعة قراريط من الأرض الزراعية يستطيع الإنفاق علي أسرة فيها طفل أو شاب معاق وحفظ الله مصر من كيد الكائدين وغباء بعض المسئولين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف