المشهد الآن في كل أرجاء المعمورة يؤكد أن الدول التي تمتلك القوة العسكرية وأسلحة الردع هي التي تتصدر المشهد السياسي العالمي فأمريكا وروسيا وانجلترا وفرنسا والصين هي البلاد دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي لها حق استخدام الفيتو ليس لأن تعداد شعوبها كبير واقتصادياتها ناجحة ولكنها البلاد التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية لذا فهم يتبادلون الأدوار ويطوعون كل الأمور فيما يخص النزاعات الدولية ليصب في مصالحهم في النهاية.
والدليل علي ذلك إبقاء المشكلة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني المغتصب دون حل قاطع إلي الآن ذلك لا لشيء إلا لإبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة من عدم الاستقرار بما يضمن بقاء دول هذه المنطقة في مربع الفقر والجهل والتخلف والمرض مع الحرص علي الاستنزاف المستمر لثرواتهم وما حدث في الصومال والسودان والعراق وسوريا واليمن وليبيا خير دليل علي ذلك.
وهنا أرجع بذاكرتي للخلف لأثني علي موقف المملكة العربية السعودية لرفضها قبول المقعد غير الدائم في مجلس الأمن اعتراضا علي جدوي قراراته في معالجة القضايا الدولية وتبني سياسة ازدواجية المعايير ولكنهم تجاهلوا الموقف وأفادوا بأنها رؤية خاصة تخص تلك الدولة.
ولكن مع اللحظة الراهنة والعداءات المصطنعة التي تحيق بكل دول المنطقة يتأكد أن القادم أسوأ لذا يصبح توجه القيادة السياسية المصرية نحو تنحية الخلافات العربية جانبا ضرورة لا اختيار بما يوجب البدء فورا في تشكيل قوة عربية لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالمنطقة والتي ستطول القاصي والداني دون استثناء ولن تكون هناك دولة في مأمن من الخطر ولابد أن تمتلك هذه القوة من أدوات الردع ما يمكنها من الاضطلاع بمهامها الحتمية لأنها في النهاية ستخوض حرب وجود.
وإذا كان التاريخ يثبت في هذه اللحظة ضرورة التلاحم العربي فإن هذا التلاحم لا يجب أن يقتصر علي إنشاء قوة ردع عسكرية عربية فحسب بل يجب أن يتسع مفهوم القوة ليشمل ما هو أبعد وأهم من ذلك حيث لابد من تفعيل حقيقي للهيئة العربية للتصنيع وضخ مزيد من الاستثمارات العربية في مجالات التنمية الزراعية والصناعية في الأقطار العربية القابلة للاستثمار بما يوحد المصالح الاقتصادية والتنموية ويعيد للشعوب العربية الثقة في نفسها ووحدتها.
ان الأمم الحرة هي الأمم القادرة علي اتخاذ قراراتها دون ضغوط أو إملاءات من أحد ولكي تمتلك الأمة قرارها وسيادتها بصورة كاملة فعليها أن تصغي للحكمة الثابتة فمن لا يصنع سلاحه وغذاءه ويعتمد علي غيره في توفير السلع الأساسية للحياة لن يكون قادرا علي امتلاك حريته كاملة أو قراره مستقلا.
ولا نعتبر التعاون الجاد في كافة المناحي السياسية والاقتصادية والمعلوماتية والثقافية والأمنية والتنموية تكميليا بل هو تعاون موجود بالفعل منذ عقود طويلة ويحتاج إلي إعادة التفعيل ليصب في خلق قوة عربية علي المستوي العسكري وعلي المستوي المدني فهناك بلاد تمتلك الإمكانات البشرية والأرض القابلة للاستثمار وبلاد أخري تمتلك الإمكانات المالية ويبقي استغلال الموقع الجغرافي الحاكم هو العلامة الفارقة.
والتكامل هنا يصبح ضرورة حتمية لامتلاك قدرة عسكرية رادعة ومناخا فكريا لا يغذي التطرف وإرادة قادرة علي إحباط مخططات قوي الظلام ومصالح اقتصادية تدافع عنها الشعوب ذلك إذا ما أردنا أن نترك أبناءنا وأحفادنا أحرارا ينعمون علي تراب هذا الوطن العربي الكبير.