الوفد
محمود الشربينى
الثورة «الثالثة» التى نريدها!
قبل أن تقرأوا: بعد أقل من أسبوعين من نشر مقالاتنا المعنونة بـ «استقيلوا يرحمنا منكم الله»، التى نعينا فيها سوء الأوضاع فى مدن شرم الشيخ والأقصر وأسوان، كان هذا الحدث الفريد الذى يعد فاتحة خير، وهو زيارة الرئيس السيسى ونظيره الصينى لمدينة الأقصر.. هل شعر الرئيس بنبض أهل هذه المدن؟.. هل يشعر بنبض مصر؟
غالبية من اقتربوا من الرئيس يشعرون بذلك، ويتحدثون عن إخلاصه ودأبه وعمله المتواصل.. ويسمونه «منقذ» مصر.. ويدعو له البسطاء فى كل مكان رغم الغلاء والكواء.. رغم الفقر والحاجة وكثرة العيال مع قلة الشىء.. ويسانده - بعد لَأْىٍ ومعاناة - عدد من زعماء العالم، لم تعد نظرتهم إلى ما جرى فى الثلاثين من يونية على أنه «انقلاب»، كما حاولت الآلة الإعلامية الغربية أن تفعل فى الشهور الأولى من إسقاط الإخوان و«مرسيهم».. وإنما أدرك بعضهم أن مصر بتاريخها وعراقة حضارتها لم تكن تستحق «الحظيرة الإخوانية».. حظيرة لا تدرك معنى الحضارة ولا قيمة التنوع والتعدد الثقافى والدينى والتأثير والتأثر الذى حققته فى الحضارات الأخرى التى وفدت إليها وحاولت طمس هويتها أو تغييرها ولم تنجح بأى قدر!
من الغريب أن بعض رفاق الثورة، ممن ذاقوا الويلات فى الميدان من «الإخوان»، أثناء 25 يناير وبعدها، الذين اتخذوا مواقف شديدة العداء مع المجلس العسكرى، ثم مع ثورة الثلاثين من يونية، لم يعبأوا - بأى قدر - بأن يأخذوا مسافة من «الجماعة».. رغم الخلاف الأيديولوجى العميق بينهما، بقدر ما كان يهمهم أن يأخذوا مسافة أكبر من النظام الجديد!.. كان واضحاً أنهم يعتقدون أن «الجيش» إذا سيطر على مقاليد الأمور فمن الصعب أن يواجهوه، بقدر ما كان سهلاً فى أعينهم أن يواجهوا «الإخوان»! كان تقديرهم أن المواجهة معهم ستكون أسهل من مواجهة «العسكر».. وربما هذا يفسر السقوط المذل والسريع للإخوان أمام ثوار يونية.. لكن هذا التصور قادهم إلى خطيئة كبرى بحق مصر، ذلك أن «الإخوان» استطاعوا ولفترة من الزمن أن يجيروا هذا الابتعاد وهذه المسافة من جانب بعض القوى المعارضة للنظام لمصلحتهم، بل واستغلوها فى دمغ النظام بالقتل والعنف والديكتاتورية، واستثمروا علاقات نفر من هؤلاء بأوروبا الغربية والولايات المتحدة ودوائر صنع القرار فيها، وآلاتها الإعلامية الشرسة، التى كانت بوقاً زاعقاً للجماعة وللقوى المناوئة للثورة.. ولعلنا أخطأنا وارتكبنا من الأخطاء ما يساعدهم على تجيير مثل هذه الأخطاء لصالح الإخوان والمعارضين.. وكنت أظننا لن نفعل فى واقع الأمر!
ولأننا مازلنا نعيش فى «كهف مبارك» وفى عناية دولته «العميقة»، ولأن «لسه النظام مسقطش».. ومع أنه قد «آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز» (كما قال الرائع الأبنودى) إلا أن هذا لم يحدث!.. الذى حدث أن أعداء النظام والحالمين بالتغيير فى يناير اصطفوا بقدر ما فى وجه النظام.. ووجدوا فى تدخل الأجهزة الأمنية فى بعض القضايا المهمة سبباً كافياً لمناهضة النظام بقوة.. رغم أن مصر الآن لا تحتاج إلى الثورة بقدر ما تحتاج إلى البناء ولا تحتاج إلى الفوضى بقدر ما تحتاج إلى النهضة ولا تحتاج إلى التشرذم والانقسام بقدر ما تحتاج إلى التوحد.
لا نحتاج إلى ثورة يناير جديدة.. فعلى الرغم من سوء كثير من الأوضاع، وتدنى الاقتصاد وتزايد الفساد وسطوة بعض الأجهزة الأمنية، إلا أننا نوشك أن ندخل مدخلاً جديداً، تدور فيه الحياة دورتها التصحيحية، لدينا الآن «برلمان» يافع، شأن كل برلمانات العالم التى نختلف معها، ولدينا قبل ذلك رئيس يسعى بجهد مذهل إلى امتلاك ناصية الأمور، فى عالم يمور بالأفكار وموجات العنف والتطرف والفوضى غير الخلاقة.. بل الفوضى الناسفة!
«الثورة الثالثة» التى أظننا نحتاجها ومازالت «تختمر» فى مطابخنا هى ثورة يطلقها الرئيس بنفسه!.. نعم ثورة جديدة لكنها لا تفاقم الفساد على النحو الذى «قرفنا» منه، ولا تفاقم الفقر بعد أن عشنا فيه سنوات طويلة، بعد ثورة يناير، لأن هناك من يريد أن يعاقب الشعب المصرى على اختياراته وتحديه لإخوان الشيطان وإسقاطهم، ثورة لا تفاقم الطغيان الذى يسببه اختلاط الأشياء بعضها ببعض، كما نرى من بعض قيادات الأجهزة الأمنية، التى لا تبادل الشعب احتراماً باحترام، وإنما تتفنن فى إذلاله وبالتالى استحقت مصيرها كما نعرف كلنا، فمنهم من سجن ومنهم من أبعد عن الخدمة ومنهم من لا يزال ينتظر!
الثورة القادمة سيقودها الرئيس على الدولة العميقة، شديدة البيروقراطية، التى تتفنن فى إهدار الوقت والجهد والمال، وتستنزف الناس فى المصالح الحكومية، ثورة على العقول التى لا تستطيع الابتكار ومع هذا تتبوأ مراكز القرار.. وهل هناك أسوأ من وزير يقول إن قانون الخدمة المدنية صدر حتى نستطيع الحصول على قرض البنك الدولى؟!
الثورة التى ننتظرها من الرئيس هى ثورة على طريقة اختيار الوزراء ورؤساء الوزارات، وعلى أساليب الاحتكار وحكم اللوبيات والواسطة والمحسوبية ومناقصات الأمر المباشر وفساد المنظومة التعليمية وتفشى الرشوة والفوضى والإهمال والرعونة فى الأداء!
بعدما قرأتم: نريدها ثورة تدخل بنا آفاق المستقبل علماً وعملاً.. وتعليماً وتثقيفاً.. وقوة وابتكاراً.. ثورة حتى النصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف