كل التقدير والاحترام لأصحاب الآراء والتوجهات السياسية الرافضة لثورة 25 يناير منذ أيامها الأولي.. والذين ظلوا متمسكين بموقفهم إلي الآن.. هذه قناعتهم وهذا حقهم.. والحرية يجب ألا تكون للمؤيدين فقط.. بالعكس الحرية لا تتأكد ولا تتبلور إلا إذا استمتع بها المعارضون والرافضون بنفس القدر الذي يستمتع به المؤيدون.. وما يحله المؤيدون لأنفسهم يجب أن يحلوه للرافضين والمعارضين.. فالحرية لا تتجزأ.
لكن المشكلة دائما في أشخاص آخرين تسمح لهم فطرتهم غير السوية بأن يسارعوا إلي ركوب كل موجة.. والصياح في كل واد.. وتصدر كل مشهد.. كانوا ضد الثورة عندما انطلقت شرارتها الأولي.. وسخروا من شعاراتها.. ثم انقلبوا بعد تنحي مبارك إلي ثوريين مناضلين.. يقفون في الصفوف الأولي للثوار.. بل كانوا يزايدون ويبالغون في ثوريتهم أكثر من الثوار أنفسهم.. وأخذتهم هذه المزايدات والمبالغات إلي ممارسات فوضوية أضرت بالثورة.. وشوهت صورتها النبيلة.. وبعد التقلبات العنيفة التي مرت بها مصر والتحولات والتغيرات التي أثرت علي المزاج الوطني العام صاروا الآن ضد الثورة.. يلعنونها في كل كلمة.. ويتهمونها بكل نقيصة.. أملا في الحصول علي صك البراءة وغسل اليدين من أية شبهة ثورية.. ورغبة في ركوب الموجة الحالية وتصدر المشهد.
بعضهم - من الرجال والنساء - كان يتباهي بأنه أول من ذهب إلي ميدان التحرير.. وأول من جاهر بشعار سقوط مبارك وأصر علي إزاحته ومحاكمته ونجليه وليس الاكتفاء فقط بالتنحي عن السلطة وعن مشروع التوريث.. وبعضهم - من الرجال والنساء - أراد انتهاز الفرصة ونقل الثورة السياسية النبيلة إلي فوضي وتخريب في موقع عمله.. وبعضهم تحول إلي بلطجي باسم الثورة.. وبعضهم وبعضهم .. الخ.
الآن.. هؤلاء انقلبوا ضد الثورة تماما.. ويترحمون الآن علي أيام مبارك وجمال وصفوت الشريف وأحمد عز وفتحي سرور وزكريا عزمي.. وراحوا يتهمون الثوار الحقيقيين الشرفاء الذين لم ينقلبوا بالخيانة والتآمر.. وكانوا من قبل يتوددون إليهم بكل السبل من أجل التقاط الصور معهم.. مجرد التقاط الصور فقط.
لماذا انقلبوا علي الثورة والثوار؟!
وبماذا نسمي سلوكهم هذا؟!
وهل تصل الانتهازية إلي الانتقال من النقيض إلي النقيض بهذا الشكل؟!
نبينا صلي الله عليه وسلم ينهانا عن السير في كل زفة والصياح مع كل من يصيح.. ويلزمنا بأن نكون فقط مع ما نراه خيرا وحسنا.. فيقول: ¢لا يكن أحدكم امعة.. يقول إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساءوا أسأت.. وإنما يقول إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساءوا أحسنت".
لقد حملت ثورة 25 يناير - مثل كل الثورات الكبري في التاريخ - بأوزار الانتهازيين والمنتفعين وراغبي الشهرة وراكبي الموجة والمتاجرين بالشعارات.. ودفعت ثمنا باهظا لذلك كله من سمعتها ومسيرتها.. وهي الآن تمر باختبار عصيب بين من يريدون تشويهها ودمغها بالفوضي والتخريب ومن يريدون محو ذكرها وادعاء فشلها واتهامها بالخيانة والتآمر.. وسوف تخرج من هذا الاختبار بإذن الله عفية نقية كما بدأت.. ثورة وطنية سلمية شبابية.. تدعو إلي الحرية والديمقراطية والدولة المدنية الحديثة.. عيش وحرية وكرامة انسانية وعدالة اجتماعية.. ثورة ضد الظلم والفقر والفساد والاستبداد.. لا يقدر أحد علي محوها وإلغائها.. ولا يقدر أحد علي سرقتها ومصادرتها لصالحه وحده.. لأنها كانت وستظل ثورة الشعب المصري كله.
رحم الله شهداء الثورة.. وشهداء الوطن الأبطال الذين يواجهون الإرهاب الأسود من رجال الجيش والشرطة.