الوطن
معتز باللة عبد الفتاح
يا رب قلل ثوراتنا
فكروا معى قليلاً. لو تحدثت مع شخص فرنسى وقلت الثورة الفرنسية فستجده يفهم أنك تتحدث عن ثورة 1789، ولو تحدثت مع شخص إنجليزى بشأن الثورة الإنجليزية فسيفهم أنك تتحدث عن ثورة 1688، ونفس الكلام بشأن الثورة الأمريكية 1776، وهكذا. ومنذ هذه التواريخ لم تشهد هذه البلدان ثورات أخرى.

تعالوا ننتقل إلى مصر، فى آخر 130 سنة شهدت مصر ثورة «عرابى 1881»، ثم «ثورة 1919»، ثم «ثورة 1952»، ثم ما يُسمى بـ«ثورة التصحيح 1971»، ثم «ثورة ٢٠١١» ثم «٢٠١٣»، إذن عملياً شهدت مصر عدداً من الثورات بين 5 و٦. هل تعلمون ما معنى هذا؟ هذا يعنى أن أياً من هذه الثورات لم تكن ثورة مكتملة، مثل الشخص الذى أقلع عن التدخين 7 مرات فى آخر سنتين. هذا يعنى ببساطة أن محاولاته للإقلاع عن التدخين لم تكن مكتملة، أى كانت محاولات فاشلة. وهذا ما يمكن قوله بشأن «ثوراتنا»، هى لم تكن مكتملة، وقد تكون حققت بعض نجاحات دون غيرها، بدليل أننا احتجنا إلى أن نثور بعدها.

الأصل فى الأمور أن الثورة حدث استثنائى يحدث مرة واحدة كل بضعة قرون، وليس بضعة عقود. والثورة الناجحة تلغى أسباب الحاجة إلى ثورات أخرى بعدها، لسبب بسيط، وهو أنها تنتج مؤسسات وآليات لتجميع المصالح وتمثيل الجماهير والتعبير عن الآراء والتفاوض الجماعى، بحيث لا نحتاج إلى احتلال الميادين وقتل المتظاهرين واستدعاء الجيوش. حينئذ لا مجال للحديث عن أن «الشعب يريد إسقاط النظام»، لأن النظام ناجح وفعّال، قادر وخلاق، قوى ومرن، بحيث يستجيب لمطالب الأغلبية الكاسحة من المواطنين.

كل ثورة هى عملية جراحية جديدة، وليس من الحكمة أن نتمناها.

ما احتمال حدوث ثورة تُسقط النظام وتُغيّر الدستور وتحل الحزب الحاكم فى فرنسا أو إنجلترا أو كندا أو اليابان أو جنوب أفريقيا؟

الاحتمال أقرب إلى الصفر، لأن النظام السياسى فى هذه الدول وصل إلى وضع توازنى تكون فيه المؤسسات قادرة على استيعاب المطالب السياسية.

إذن ما الذى نستنتجه من كل ما سبق؟

أرجوكم أعطوا هذه الثورة فرصة كى تكتمل. لا أريد أن أرى ابنتى تخرج فى الشارع بعد 20 سنة، مطالبة بإسقاط النظام ويضطر الحاكم ومن معه حينئذ إلى قتلها أو اعتقالها هى أو أى من زملائها.

وأرجو أن يكون الجانب الثقافى كذلك حاضراً فى بنية هذه الثورة. وعلى هذا فلا بد أن تقوم أجهزة الإعلام بتخصيص برامج تثقيفية لإعادة بناء الشخصية المصرية، بما يجعلها مؤهلة لغد أفضل.

نريد خطاباً سياسياً وإعلامياً عاقلاً ودينياً وفنياً وتثقيفياً وتعليمياً يبصّر المصريين بالتحديات العشرة التى تواجههم: الفقر، الجهل، المرض، التطرّف، الإرهاب، الإهمال، الفساد، الاستبداد، الادعاء، الإنجاب بلا حساب.

هذا الخطاب مسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، لكن نقطة البداية هى الدولة.

أرجوكم، نريد ثورة واحدة مكتملة، وإلا سنعود «لنثور» مرة أخرى بعد سنوات قليلة أو طويلة.

قولوا يا رب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف