الوطن
امال عثمان
خواطر بقلم شهيد!
لم أكن تصفحت أوراقه حتى تلك اللحظات الإنسانية الصعبة التى أبكت فؤادى، وفجّرت بداخلى بركان غضب متناثر الحمم، وفيضاً من مشاعر الفخر والألم، لحظات حملت معانى البطولة والفداء فى عيون الأطفال ودموع الأرامل والأمهات الثكالى، مددت بصرى لأطمئن على الكتاب الذى انتحى مكاناً ذا مقربة منذ أهدانى إياه صديقى وزميل دراستى المقدم «إسلام»، وروى لى كيف خرجت إلى الوجود تلك الصفحات التى سطّرها سيد شهداء الدفعة 103 حربية، تلك الدفعة التى حملت اسم «أسد البحار» الفريق «فؤاد ذكرى»، أعظم قادة البحرية العسكرية، هذا البطل الذى أورث الشجاعة والجسارة لرجال دفعة حملت اسمه، فصاروا أبطالاً لا يرهبون الموت، وأسوداً لا يهابون عدواً!

هكذا كان موعدى مع صفحات كتاب «دفعة 103 حربية»، وهكذا أمضيت ليلتى أتابع بشغف قصص رجال بواسل، شاء القدر أن يستشهد 15 بطلاً من زهرة شبابهم فى سيناء، مسقط رأس «أسد البحار» والعقل المدبر لعملية تفجير المدمرة الإسرائيلية إيلات. وعبر سطور الكتاب المفعم بالمشاعر الوطنية وقصص البطولة والفداء عرفت النقيب «حسام شرف الدين» الذى قضى مع زملائه أجمل سنوات عمره فى مصنع الرجال، قبل أن يتخرجوا من الكلية الحربية، وينتشروا لحماية الوطن من خطر الإرهاب فى شمال سيناء، وعلى حدود مصر الغربية والجنوبية.

كان سقوط أول شهداء الدفعة «أحمد أبوالعطا» بمثابة إشارة البدء كى يضعوا رؤوسهم فوق أكفّهم، ويستشعروا حلاوة الشهادة ويتنافسوا لنيلها، وتوالى سقوط أبناء الدفعة 103، حتى أُطلق عليها «دفعة الشهداء»، ولكن حين استشهد صديقه الحميم «مصطفى حجاجى»، أول الدفعة، أصيب النقيب حسام بصدمة عصبية أفقدته الوعى، ومنحته إجازة إجبارية لمدة أسبوعين، فكر خلالها أن تكون خواطره التى كان يخطها فى مفكرته عقب استشهاد أصدقاء الدفعة نواة لكتاب يخلد ذكراهم.

وبالفعل بدأ النقيب حسام فى استرجاع ما سجله بدفتر خواطره، وكانت صورة الشهيد أحمد فؤاد حسن تطل من بين السطور خلال تكريمه على شجاعته بعد إصابته خلال مطاردة مجموعة إرهابية فى سيناء، فأطلقت دانة «آر بى جى» على المركبة التى كان يستقلها خلال المطاردات، وحين صافح الرئيس السيسى -وزير الدفاع آنذاك- بقبضته القوية، ابتسم وقال له: «كسرت إيدى يا أحمد»، وبعد شفائه صدر له قرار نقل للإدارة المركزية بالقاهرة، لكنه رفض التنفيذ وطالب بالبقاء فى سيناء. لقد طلب أحمد الشهادة وسعى إليها فأنالها له الله، وترك رسالة لأمه يقول فيها: «لما تشوفى جثتى يا أمى إوعى تبكى أو تضعفى، عايزك تقولى لكل الدنيا وانت لابسة أبيض فى أبيض إنك أم الشهيد، وأم بطل من الأبطال الواقفين ياخدوا الرصاصة فى صدورهم بدالكم».

دمعت عين النقيب حسام حين تذكر رؤيا مبشرة رأى فيها صديقه الحبيب الشهيد محمد إمام مصطفى وقد ازداد حسناً ونوراً، وقال له بصوت ملىء بالبهجة: «اطمئن يا صاحبى وأبلغ الجميع أننى بخير، نحن نعيش هنا فى كنف الله ورعايته، يسطع علينا نوره من كل مكان، نجاور الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، أما عن رحلتى إلى هنا فأطمئنك بأننى لم أشعر بأى ألم عندما وقع الحادث الغادر، فقط أظلم الكون لثوانٍ وفتحت عينى لأرى الملائكة تحيط بى ضاحكة مستبشرة، وصحبتنى فى رحلة بديعة إلى السماء، وطول الطريق كانت الدعوات والصلوات الآتية من الأرض تصاحبنا، وزرت القصر المعد لاستقبال والدى ووالدتى تقديراً لصبرهما على فراقى، أما عن قصرى فأرجو أن تبلغ زوجتى الحبيبة أننى لن أدخل الجناح الرئيسى حتى ندخله معاً بإذن الله فى لقاء ليس بعده فراق».

النقيب محمد إمام مصطفى استشهد وهو صائم فى العشر الأواخر من رمضان، فى معركة مباشرة مع قوى الإرهاب استهدفت نقطة حرس الحدود بالقرب من واحة الفرافرة، لم يستطع الإرهابيون دخول النقطة أو أسر جندى، ولقى العديد منهم مصرعه، فاستهدف الآخرون مخزن الذخيرة بقذائف الـ«آر بى جى»، واستشهد البطل محمد ومعه 21 من زملائه.

وللحديث عن الأبطال بقية إن شاء الرحمن..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف