د. اكرام بدر الدين
تحولات في الشخصية المصرية
تعرف الشخصية بأنها السمات والخصائص المميزة للإنسان والمؤثرة علي سلوكه وتصرفاته ولذلك وبناء على سمات وخصائص الشخصية يمكن التمييز بين شخصية متعصبة، وشخصية متسامحة، وأخرى تميل إلى العنف، أو هادئة، وشخصية قيادية، وشخصية تابعة، وغير ذلك من السمات والخصائص المميزة للشخصية على المستوى الفردي والتي يمكن اعتمادا على هذه الخصائص توقع السلوك المستقبلي لشخصية ما وبدرجة كبيرة من المصداقية، وتتكون سمات وخصائص الشخصية بتأثير البيئة والظروف المحيطة، والتجارب، وعملية التنشئة، وأدواتها والتي تضفي في النهاية على الشخصية سماتها المميزة، وبالإضافة إلى الشخصية الفردية فإنه يمكن الحديث أيضا عن شخصية جماعية لشعب من الشعب وتتسم بخصائص مميزة، كما يمكن أن تكون عرضة للتغير من فترة زمنية إلى أخرى بفعل الظروف والتطورات والأحداث المتلاحقة ولعل هذا ما نشهده على الشخصية المصرية في الآونة الحديثة والمعاصرة، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:-
أولا: تتسم الشخصية المصرية وعبر فترة زمنية طويلة بالتسامح، وعدم الميل إلى العنف وروح الدعابة والنكتة، والاعتماد المبالغ فيه على السلطة والذي يدفع في حالات متكررة إلى السلبية وهو ما يفسره البعض تفسيرا جغرافيا وسياسيا بظروف مجتمع النهر في مصر وما أدى إليه من احتياج إلى وجود سلطة مركزية قوية ومؤثرة لحماية المجتمع من النهر وأخطاره سواء في حالة قلة المياه أو زيادتها على الحد المعقول والمطلوب مما أدى إلى ضرورة وجود سلطة مركزية قوية تتولى ضبط النهر والتحكم فيه، فضلا عن أهمية هذه السلطة المركزية القوية في الدفاع عن حدود الدولة من جميع الأطراف إزاء ما تتعرض له من تحديات ولذلك كانت مصر أول دولة في العالم تعرف السلطة المركزية القوية والتي يميل الأفراد إلى الاعتماد عليها في حياتهم اليومية وكل ما يتعلق بها.
ثانيا: بدأت مصر تشهد تطورات وتغيرات وأحداثاً هامة منذ منتصف السبعينات من القرن التاسع عشر أحدثت تغيرات وتحولات في خصائص وسمات الشخصية المصرية وتدفع بها نحو تقليل نسبي في درجة الاعتماد المبالغ فيه على السلطة، ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي والتوجه نحو الاقتصاد الرأسمالي تحولا عن التوجهات الاشتراكية التي شهدتها مصر منذ بداية عقد الستينات، وترتب على اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وخصوصا الانفتاح الاستهلاكي تغيرات هامة في منظومة القيم السائدة في المجتمع والتي أثرت على الشخصية المصرية فبدأت تظهر قيماً تتعلق بالرغبة في الربح السريع واعلاء الجوانب المادية على الاعتبارات القيمية وأصبح المثل الأعلى لا يتعلق غالبا بالثقافة أو المركز الاجتماعي بقدر ما يتعلق بالمال والثروة وانعكس ذلك كله وأثر على الشخصية المصرية وخصوصا مع التأثر في مرحلة لاحقة بالعولمة وما أحدثته من تحولات وتغيرات قيمية في مصر والعالم.
ثالثا: كما أدت أحداث 25 يناير وما أعقبها من تداعيات ونتائج إلى إحداث تغيرات هامة في الشخصية المصرية فحدوث ثورتين في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز عامين أدى إلى التحول من السلبية إلى المشاركة بمعنى أن الشخصية المصرية أصبحت ولأول مرة منذ قرون طويلة تميل إلى المشاركة المرتفعة وخصوصا أن الحكومة لم تعد قادرة وحدها على القيام بكافة الأعباء نتيجة للتغيرات المختلفة الاقتصادية والسياسية وتأثير المتغيرات الدولية والإقليمية، وأصبح الشعب متغيرا أصيلا في العملية السياسية ورقما هاما لا يمكن اهماله، كما ظهرت أيضا بعض السمات المتعلقة بالشخصية المصرية مثل وجود استعداد أو ميل للعنف في حالات متكررة وهو ما يخالف سمة التسامح والاعتدال المعروفة عن الشخصية المصرية، كما تراجع دور وتأثير النكتة وخصوصا النكتة السياسية والتي كانت وسيلة للتنفيس عن مشاعر الاستياء وعدم الرضا، كما حدث فهم خاطئ للحرية في بعض الأحيان ونظر البعض للحرية بطريقة خاطئة باعتبارها حرية مطلقة.
رابعا: دور أدوات التنشئة في صقل الشخصية المصرية وغرس القيم الإيجابية، فالثورة يمكن أن تخرج من المجتمع أفضل ما فيه من نقاء وطهر وتضحية وفداء للوطن وميل للمشاركة، كما يمكن أيضا أن تخرج أسوأ ما فيه مثل الأنانية واتجاه البعض نحو الفوضوية وعدم الرغبة في التقيد بالقانون والإساءة إلى المسئولين في مختلف المواقع وعدم الفهم الصحيح للحرية وينعكس ذلك كله سلبا على الشخصية وسماتها ولذلك يكون هناك دور هام ومتوقع لأدوات التنشئة المختلفة مثل الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية لغرس القيم الإيجابية المعبرة عن الشخصية المصرية وتخليصها من السلبيات وتحويل المشاركة إلى الاتجاه الصحيح بعيدا عن الفوضوية أو الرغبة في تحقيق مكاسب شخصية على حساب المجموع، أو من خلال الإساءة للوطن، ويكون غرس هذه القيم الإيجابية البداية الصحيحة لصقل الشخصية المصرية والاستفادة من جهود أبناء الوطن وخصوصا عندما تكون عملية التنشئة تعبر عن التجانس بين أدواتها، وبحيث تسير كل هذه الأدوات في نفس الاتجاه نحو تدعيم قيم المواطنة والإيثار والتضحية والبعد عن الأنانية والفوضوية والعنف وبحيث يكون صلاح الشخصية المصرية نقطة البداية لإصلاح الوطن والمواطنة.