ما إن أعلن د. حسام مغازي وزير الري عن اكتشاف "الخزان الجوفي النوبي" الذي يمثل - كما قال - مصدرا جديدا للمياه الجوفية يكفي مصر لمدة 100 عام قادمة حتي اشتعلت مواقع التواصل علي الإنترنت بالتعليقات المصدومة والمندهشة من هذا الإعلان في هذا التوقيت بينما المعروف أن هذا الخزان تم اكتشافه منذ خمسينيات القرن الماضي وتم إجراء عدد كبير من الدراسات عليه.
البعض تساءل ساخرا: هل أراد وزير الري أن يبعث برسالة طمأنة إلي إثيوبيا بأنها لو أكملت بناء السد ومنعت عنا المياه فإننا لن نموت.. ولسنا في حاجة إلي نيلها الأزرق أو الأحمر أو الأخضر فلدينا نيل نوبي جاهز تحت الأرض؟ أم أراد أن يطيب خاطرنا نحن المصريين بأن ربنا عوض علينا من عنده ولم يعد يهمنا بناء السد.. أم تراه أراد أن ينسب لنفسه فضل اكتشاف تاريخي اكتشفه آخرون من قبله بأكثر من نصف قرن جريا علي عادة الفراعنة القدامي الذين كان يحلو لهم تغيير ما كتبه الفرعون السابق عن إنجازاته وانتصاراته علي جدران المعابد لينسبها الفرعون اللاحق لنفسه.. أو عادة الفراعنة المحدثين الذين يحلو لكل منهم أن يفتتح مشروعات افتتحها من سبقه عشرات المرات؟ أم تري أن الدكتور الوزير لم يكن علي علم بأن هذا الخزان اكتشف من قبل وأن كثيرا من العلماء وآخرهم د. فاروق الباز قد جفت ألسنتهم من المطالبة بتنفيذ مشروع الصحراء الغربية من توشكي جنوبا إلي مرسي مطروح شمالا.
الحقيقة أن د. مغازي وزير الري خرج علينا خلال الفترة الأخيرة بعدة تصريحات مثيرة للجدل ولا أريد أن أقول صادمة ومستفزة وغير معروف الهدف من ورائها.. ومن أمثلة هذه التصريحات ما قاله عن رفض إثيوبيا عرضا مصريا بتمويل سد النهضة خلال فترة حكم الرئيس السابق عدلي منصور.. هذا اكتشاف مهم يعلن لأول مرة دون أن يكون واضحا الهدف منه.. خصوصا أن هذا السر منقول - طبقا لكلامه - عن إثيوبيا وليس عن مصدر مصري موثوق به.. فهل عرضت مصر فعلا تمويل السد.. وهل تملك مصر ما تمول به السد.. وماذا كان يفرق بالنسبة لنا لو مولنا نحن سدا سيحجب جزءا من المياه عنا؟!
ثم.. لماذا يصر الوزير علي التقليل من شأن التصريحات المستفزة التي تخرج من وزراء ومسئولين إثيوبيين والشركة الإيطالية المنفذة لمشروع السد والتي أعلنت مؤخرا بوضوح تام قرب انتهاء بناء السد بعد 6 أشهر بينما الدراسات الفنية التي تدور حولها المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا لم تبدأ بعد وستستغرق لو بدأت من 8 إلي 10 أشهر.. وأعلنت أيضا أن توليد الكهرباء أصبح وشيكا بعد أن حصلت علي توربينين من التوربينات الـ 16 بينما يصر الوزير علي عدم تركيب أي من التوربينات حتي هذه اللحظة وأن ملء الخزان لن يبدأ قبل عام 2019 وأن معلومات الشركة المنفذة غير دقيقة.
ونقلت الصحف عن وزير الري في مرحلة سابقة قوله إن فتحات السد الحالية كافية لتمرير المياه الكافية في التوقيت المطلوب.. وذلك بعد أن رفضت إثيوبيا طلب مصر زيادة عدد الفتحات الجانبية حتي لا تتأثر حصتها في المياه.. كما نقلت عن سامح شكري وزير الخارجية قوله إن الحديث عن حصة مصر من المياه هو إطار ثنائي بين مصر والسودان ولا علاقة لإثيوبيا بالأمر.. وقال خبير استراتيجي علي إحدي الفضائيات إننا يجب ألا نقلق من سد النهضة لأنه سيسقط من تلقاء نفسه.. وأنه مسئول شخصيا عن هذا الكلام "وابقوا حاسبوني".
أخشي أن يكون هناك اتجاه للتقليل من مخاطر سد النهضة إيثارا للسلامة.. وأتمني أن يكون هناك دور مؤثر في هذا الملف للعلامة الدكتور مفيد شهاب الذي أدي أداء جيدا في ملف قضية طابا.. والذي قال مؤخرا في ندوة علمية عن سد النهضة إن الاتفاقيات الدولية في صالح مصر.. وأن الجانب القانوني هو الأهم الذي يجب أن نركز عليه في قضية سد النهضة.
لدينا مثل شعبي يقول "اعط العيش لخبازه".. ومصر لديها خبازون كثيرون والحمدالله.