التحديات الكبيرة التي تواجه مهنة الصحافة أو بالأدق صناعة الصحافة باتت أكبر من قدراتها المادية علي الصمود، ليس فقط ككونها صناعة تعتمد علي رأس مال كبير ، بل بعلاقتها المباشرة وغير المباشرة بتأثير رأس المال عليها، وارتباطها بحركة النمو الاقتصادي داخل الدولة ، وارتباطها الوثيق باتجاه النظام ونظرته للإعلام بشكل عام.
في أقل من عام وجدنا صحفاً يومية تمتلك رأس مال كبير، وفجأه ودون سابق إنذار وببساطة شديدة تغلق ، ويقرر القائمون عليها تسريح العاملين فيها، والقضاء علي أبسط حقوقهم في ممارسة مهنة «أدمنوها» وأصبحت بوصلتهم للحياة وفي الحياة.
ثم نفاجأ بشبح الانهيار يضرب صحفاً يومية أخري ، ويضاف عبء التسريح إلي العبء الموجود قبلها في صحف توقفت وتم تشريد أهلها لتكون سلالم نقابة الصحفيين مأواهم الأخير عسي أن يرفع عنهم أحد البطالة التي وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها غارقين في دوامتها وآلامها.
اللافت للانتباه أن صناعة الصحافة وسوق إصدار الصحف كان يشهد نشاطاً كبيراً في أواخر عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ، وازدادت الصحف رواجاً مع ثورة 25 يناير وما بعدها ، ثم بعد ثورة 30 يونية بدأت أزمات الصحف في الظهور بشكل كبير جداً، وإن كان من الأجدى والمقبول أن يحدث العكس، فنظام مبارك السياسي كان يعي تماماً أهمية ودور الصحافة وكأن الحرية عنده بحساب ولكن كان لابد من وجودها – وإن كانت شكلية -، وأثناء ثورة 25 يناير كان من الطبيعي أن يهرب رأس المال، ويحافظ البعض علي المكتسبات السابقة وليس المغامرة بإصدار الصحف وهذا لم يحدث ، وفي ذات السياق كان لابد أن تنتعش حركة الصحافة بعد 30 يونية نظراً للأمل والطموح العظيم الذي انتظره الجميع علي المستوي الاقتصادي وما لعبته الصحافة من دور كبير في هذا الحراك الوطني ، وحدث العكس!!
بعيداً عن التحليل في سبب الانهيار الذي يضرب الصحف الآن، وبعيداً عن الأسباب أياً كانت اقتصادية أم سياسية، أو طرح السؤال التقليدي .. هل النظام السياسي الآن يريد صحافة مختلفة وبعيدة عن صحافة عبد الناصر ؟ .. وهل من مصلحة الدولة أن تغلق صحف صحافتها إلي الأبد؟
يبقي أن هناك صحفيين مشردين ولا يعرفون بديلاً عن مهنة الصحافة، وبقيت الدولة مكتوفة الأيدي لم تقدم ما يدعم هذه الصناعة ، ولم تعمل علي توفير مناخ اقتصادي يساعدها علي النمو ، هذه حقيقة واضحة علي الأقل راسخة في يقيني.
الدولة لم تساعد في إيجاد حلول للصحف المتوقفة، كأنها مصنع أشهر إفلاسه !! ، وشرد العاملون به ، أليست هذه مسألة أمن قومي ؟ .. أليس تدمير هذه العائلات – وغيرهم في القطاعات الأخري المتضررة - مسألة أمن قومي؟ وكأن ما يحدث يأتي علي «هواها» .. وتحمد الله كلما رأت صحفاً تقترب من الغلق علي أنها تعثرت وتوقفت دون تدخل منها!!، وأنها ليست طرفاً ، وأن هذا الشأن لا يمسها من قريب أو بعيد!!
لو استخرج هؤلاء الصحفيون المشردون أكشاكاً لبيع الصحف القومية، وفرش الآخرون علي الأرصفة، وأخذ بعضهم يلف علي المارة ويصرخ بأعلي صوته أخبار.. أهرام .. جمهورية، فلن يجد ما يسد جوعه، ويلبي احتياجاته، الأمر مأساة تطارد الصحف الخاصة والحزبية ولابد من توفير مناخ يساعد علي نمو هذه الصناعة ، حتي لا نصل في يوم نتذكر أنه كانت لدينا صحافة، ونجري جميعاً في الشوارع والميادين ننادي بأعلي صوت .. أهرام ..أخبار .. جمهورية.