أياً كان رأيي أو رأيك في وائل غنيم الناشط السياسي فإن الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري الأحد الماضي بعدم قبول دعوي إسقاط الجنسية عنه تمثل انتصاراً للتقاليد المصرية العريقة وإنصافاً للقضاء المصري في مواجهة الكثير من الاتهامات التي تلاحقه.. خصوصاً أن وزارة الداخلية كانت قد ردت علي الدعوي بأنه "لم يثبت بحق الناشط وائل غنيم أي سبب من الأسباب التي حددها القانون علي سبيل الحصر التي تستدعي إسقاط الجنسية المصرية عنه".
والمعروف أن هذه الدعوي من قبل أحد المحامين المشهور بملاحقاته القانونية للمعارضين وأصحاب الرأي الآخر متصوراً أنه بذلك يخدم النظام ويسانده وهو في الحقيقة يلحق به أبلغ الضرر ويشوه صورته ويضعه في دائرة النظم النادرة جداً عالمياً التي تسقط الجنسية عن معارضيها.. في حين أن القانون المصري أحاط الجنسية بضمانات منيعة.. وجعل مسألة إسقاطها عن شخص معين مرتبطة بأسباب محددة علي سبيل الحصر لا يجوز التوسع في تفسيرها.. حتي لا تستخدم أداة من أدوات الصراع السياسي.
وكثيراً ما سمعنا من المرحوم الأستاذ كامل زهيري نقيب النقباء الصحفيين قوله إن عضوية نقابة الصحفيين مثل الجنسية لا تسقط عن أي عضو من أعضائها لأية أسباب خارج القانون.. وكان يرد بذلك علي السلطة التي تطلب إسقاط عضوية النقابة عن بعض معارضيها من الصحفيين حتي يفقدوا الحصانة التي تتيحها لهم نقابتهم.. فيصبح من السهل منعهم من مزاولة المهنة والكتابة في الصحف.
وقد بنت محكمة القضاء الإداري حكمها في قضية وائل غنيم علي الرد الذي تلقته من وزارة الداخلية بعدم توافر أي سبب من الأسباب التي تستدعي إسقاط الجنسية عنه.. وقالت المحكمة: "ومن ثم ينتفي علي وزير الداخلية أي إلزام قانوني يوجب عرض إسقاط جنسية غنيم علي مجلس الوزراء المختص مجتمعاً بإسقاط الجنسية تحت رقابة القضاء بما يعني أنه وفقاً للقانون والدستور فإنه ليس هناك ما يلزم مجلس الوزراء أو وزارة الداخلية بإسقاط الجنسية عن غنيم".
وكانت صحيفة "الأخبار" قد نشرت في عددها الصادر يوم الاثنين 31/8/2015م توصية هيئة المفوضين بمحكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوي من نفس المحامي لإسقاط الجنسية عن وائل غنيم.. وأكد تقرير المفوضين أن أوراق الدعوي خلت من الأسباب.. ولم يثبت المدعي أو يقدم من المستندات أو الدلائل ما يفيد تحقق إحدي الحالات التي تجيز إسقاط الجنسية.
ليس هذا بالطبع دفاعاً عن وائل غنيم أو تأييداً لنهجه.. وإنما دفاع عن القانون.. وعن حق الإنسان المصري في أن يكون حراً.. يتمتع بجنسيته التي اكتسبها بمقتضي المواطنة.. سواء أكان مؤيداً للنظام السياسي أو معارضاً له.. وليس من حق أحد أن يسلبه حريته أو يسلبه جنسيته إلا بالطرق التي حددها القانون علي سبيل الحصر ودون تأويل.
جنسية المواطن المصري هي روحه.. لا تسقط عنه إلا إذا خرجت منه الروح.. تعالوا نعود إلي تعميق هذه الثقافة الوطنية الحميدة.. إذا أجرم المواطن ـ أي مواطن ـ يواجه بالقانون وليس بإسقاط العضوية.. والمواطن يخطئ ويصيب.. وعندما يخطئ يعاقب بالقانون العادل والقضاء العادل لكنه يظل مصرياً.
هذه رسالة مهمة لدعاة الاستبداد الذين يلاحقون من يخالفهم في الرأي بالبلاغات والدعاوي القضائية.. ويزايدون علي الحكومة ووزارة الداخلية في ذلك.. ولا يدرون أنهم بذلك يشوهون الحكومة ووزارة الداخلية ويشوهون مصر في عالم متربص.. ينتظر مثل هذه اللقطات ليرسم من خلالها صورة سلبية لمصر والمصريين.
اختلفوا مع وائل غنيم وأمثاله كيفما شئتم.. وانتقموا من ثورة 25 يناير وشبابها كيفما شئتم.. ولكن حذار من استخدام سلاح إسقاط الجنسية حتي لا يرتد إلي صدور من يستخدمونه في يوم ما.. الجنسية هي الوطن.. فلا تحرموا أحداً من وطنه.