الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري .. الواحات
عاش المصريون آلاف السنين في شريط ضيق علي ضفتي النيل في الجنوب وفي دلتاه وتركنا أكثر من تسعين في المائة من اليابس دون تعمير أو إصلاح.. هذا ما عرفناه. وتداولناه في تاريخنا المكتوب. ناسين أو متناسين أن المنطقة الواقعة غرب النيل والممتدة من البحر المتوسط شمالاً حتي حدود أرض النوبة جنوباً كانت عامرة بالسكان ومخضرة بالزراعة.
أثناء احتلال الرومان لمصر كانت تلك المنطقة تمثل سلة القمح للرومان ولم يهتم أي من علمائنا بتاريخ تلك المنطقة إلا فيما ندر من كتابات قليلة لا تليق بتاريخ هذه البقعة من أرض مصر.
شغلني ما نظرته من قضايا جنائية أثناء رئاستي لإحدي دوائر الجنايات بأسيوط التي كانت ترد من ما سمي بالوادي الجديد.. معظم هذه القضايا في تلك المنطقة تتركز حول سرقة الآثار والاستيلاء علي جثث محنطة لا تتطلب عملاً شاقاً للعثور عليها بعضها يظهر قرب سطح الأرض بالعشرات إن لم يكن بالمئات في أماكن كثيرة من الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة.. الأمر الذي يدل دلالة قاطعة علي أن تلك المنطقة كانت عامرة بالسكان وبالحضارة ووسائل العيش وأولها الزراعة.. تعجبت لتركها دون تعمير أو اهتمام يعيدها إلي ما كانت عليه سابقاً وننتفع بها انتفاعاً نحن في أشد الحاجة إليه.
حرمت هذه المناطق تماماً من اهتمام المسئولين بها وبعد ثورة يوليو 1952 أطلقوا عليها اسم الوادي الجديد مكتفين بما فيها من واحات لا تؤدي دوراً يذكر في النشاط الاقتصادي لم نسمع عن أي نشاط بها سوي النشاط الذي اشتهرت به سابقاً من زراعة البلح وتجفيفه وزراعة الزيتون حتي هذه المنتجات كانت تعرض في الواي القديم بما لا يكفي حاجة الناس إليها.
أهمل الوادي الجديد إهمالاً لا نظير له ولا يليق بأمة تريد أن تهيئ لنفسها مكاناً مهماً بين الأمم في الاقتصاد الزراعي والصناعي.
ظل استهلاك الأراضي الزراعية في الوادي القديم والدلتا بالجور عليها ببناء المساكن دون تعويض يذكر باستصلاح أراض تكون مصدراً للعيش ومنتجة للغذاء إن لم يكن معيناً علي تصدير المنتجات الزراعية إلي دول أخري وأهملت إهمالاً محزناً مثيراً للعجب.
ظلت هذه المنطقة كغيرها في الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء تمثل عبئاً علي الجيش بل علي الدولة كلها شبه خالية من السكان ومصدراً للقلق القادم من جهات مختلفة.
لم يلتفت أحد من المسئولين سابقاً لقول مناحم بيجن حين زار مصر وذهب إلي أسوان متسائلاً متعجباً: ألديكم كل هذه المياه ومازالت لديكم هذه الصحراء؟!!
ثم جاءت فترة أخري في تاريخ مصر تباع فيها تلك الأراضي الصحراوية بثمن بخس والمفروض استصلاحها لزراعتها إلا أن المستفيدين منها أقاموا منتجعات وقصوراً وأماكن سكنية ضخمة لتباع بمليارات ودون أن تستفيد الدولة منها أو يعود عليها أي منفعة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف