السيد العزاوى
الكلم الطيب- الخطاب الديني الذي نريده!!
منذ سنوات والحديث لا يتوقف عن تجديد الخطاب الديني ورغم أن هناك كثيرا من الذين يتناولون هذا الشأن لا يعرفون المعني المقصود من هذا التجديد علي وجه الدقة مما أدي اختلاط والتباس في المعني المراد مع أنه في منتهي البساطة حيث أن المقصود هو تحديث لغة الخطاب الديني لكي تتناسب مع العصر وأهله خاصة في عصر السماوات المفتوحة والتكنولوجيا المتطورة وحتي نتعرف علي المقصود من هذا التجديد.. نعود إلي عصور سابقة وكيف كانت لغة الخطاب حتي نصل إلي معرفة واضحة بلا أي التباس.. ففي العصور العربية الأولي كانت التعبيرات في لغة الخطاب تدور حول المفاهيم التي ترتبط بما يجري علي أرض الواقع كالرمال أو النار التي تأتي صياغتها في أساليب متفاوته ويتضح ذلك في قول الشاعر في العصر القديم مشبها القلادة التي تتزين بها المرأة في قوله: كأن النجوم علي صدرها.. كالجمر المصطلي ويبدو الفرق واضحا بين هذا الأسلوب القديم وبين الأسلوب الحديث في قول الشاعر:
كأن النجوم علي صدرها.. قلائد ماس علي غانيه.
مع الاعتذار لذكر هذا المثال الذي ذكرته لتوضيح المعني الذي نريده في لغة الخطاب الديني. الذي يجري الحديث حول تجديده ولعل الصورة قد اتضحت بعد هذا السرد لكي تتكشف المعاني التي يريد أهل العلم توضيحها.
هذه الأساليب متغيرة وفقا لكل عصر وأساليبه التي تناسب أهل هذا العصر.. أما النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فهي "ثوابت" ويستطيع أي باحث من أهل العلم استنباط المعني الذي يتناسب مع المخاطبين الذين يتحدث إليهم فآيات القرآن الكريم تحمل كل المعاني ويتضح ذلك في قول الله تعالي : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" ولك أن تتصور مدي كثرة هذه المعاني التي تحملها أيات الكتاب العظيم فلو كان ماء البحر مدادا للأقلام التي نكتب بها المعاني التي يتوصل إليها فهمنا لنفد هذا المداد رغم كثرة مياه البحر انها كلمات القرآن المعجزة والتي تحدي بها رب العالمين اساطين اللغة العربية في القديم وعلي مدي العصور المتعاقبة. هذه المعاني المتجددة مهما كانت مقدرة الباحث ومدي علمه فلن يستطيع الالمام بمكنون هذه الآيات الكريمة وينطبق ذلك علي أحاديث سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم المتواترة التي جاءت في الكتب الصحيحة كالبخاري ومسلم.
في اطار هذه المعاني التي أشرت إليها تتضح الصورة التي نريدها بالنسبة لتجديد الخطاب الديني ولذلك يتعين علينا وكذلك الدعاة وكل المهتمين بهذا الشأن لكي يتناسب مع المخاطبين من كل الفئات والطوائف مع تحمل كل التبعات الملقاة علي عاتق الدعاة والقائمين علي الخطاب الديني وذلك لكي تبدو المعاني أكثر وضوحا وتتجلي الوسطية والاعتدال بأبسط العبارات وأقربها وصولا إلي قلب وذهن المخاطب وتفنيد كل الأباطيل والمزاعم التي قد يتشدق بها أي متطرف أو متشدد. كما أن للأزهر وعلمائه دوراً رائداً في هذا المجال ويتضح ذلك كلما كان الداعية أو العالم ملما باللغة العربية وأدابها ومستوعبا لكل التفاسير المتعددة لكتاب الله الكريم ومطلعا علي آراء أهل العلم ومدققا في كل ذلك وفي مقدوره كذلك استيعاب المعاني الواردة في الأحاديث النبوية وطرح هذه المعاني في حديثه لأي مخاطب. وذلك لكي تتضح المعاني بأساليب تتواءم كل المخاطبين في جميع العصور وسوف تظل آيات القرآن متجددة المعاني زاخرة بها في كل زمان ومكان.
في نفس الوقت يجب أن يضاعف أهل العلم والدعاة من الأزهر والأوقاف جهودهم ومواجهة المتطرفين والمتشددين وتفنيد كل ما يثيرونه بأسلوب علمي وبعبارات سهلة وفي منتهي السلاسة وبكل سعة الصدر وعقد الندوات واللقاءات بصفة دائمة وإجراء حوارات مع كافة الأطراف من أهل الرأي والفكر ومواجهة الحجة بالحجة بعيدا عن الاسفاف أو التطاول وتوضيح لكل ما يطرحه المتطرفون أو المتشددون وبيان صحيح الدين وتلك هي الطريق للقضاء علي كل يثيرونه المتشككون وفي ذات الوقت يتعين أن يتم تطبيق هذا المنهج السهل للبراعم الصغيرة من الأطفال الصغار وذلك لتحصينهم من هؤلاء الذين يتصيدون الاطفال الصغار ويستطيعون إجراء غسيل لعقولهم بمعسول الكلام والأقوال التي تجتذبهم حتي يتم استيعابهم واقناعهم بذلك الفكر المتطرف أو أية أفكار يريد هؤلاء ترويجها.. وقد ظهر ذلك بوضوح هذه الأيام فقد رأينا جهود هؤلاء في تجنيد هؤلاء البراعم وغيرهم من الشباب بحيث تم انخراطهم في صفوف المتطرفين ورأينا الكثير منهم في صفوف الجماعات المتطرفة كالإخوان المسلمين وما تفرع عنها من جماعات تحت أي مسمي مثل "بيت المقدس" و"النصرة" وقد شاهدنا بعضهم في جماعة "التكفير والهجرة" مهمة الأزهر والعلماء متعددة الأبعاد ومتشعبة. لكن هذه مسئولية العلماء لبيان الحقائق لكل البشر كما أراد رب العالمين.. والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.