مؤمن الهباء
شهادة- الصين ـ بين السعودية وإيران
ظلت الصين لفترة طويلة تنأي بنفسها عن نزاعات الشرق الأوسط المعقدة والمزمنة.. لكن الجولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوعين الماضيين لكل من السعودية ومصر وإيران والتصريحات التي أطلقها في الدول الثلاث أعطت انطباعا قويا بأن الصين حسمت أمرها واستعدت لكي تلعب دورا مؤثرا جديدا في المنطقة يعتمد علي الحضور السياسي والشراكة الاقتصادية.
في هذه الجولة وقع الرئيس الصيني اتفاقات لشراكة استراتيجية شاملة بعيدة المدي مع الدول الثلاث.. فضلا عن إقامة الشراكة الاستراتيجية مع 6 دول عربية أخري هي الجزائر والإمارات والسودان وقطر والأردن والعراق.
وتقوم الاستراتيجية التنموية السياسية التي طرحتها الصين في يونيو 2014 لإحياء طريق الحرير القديم علي تشكيل معادلة تعاون متمثلة في اتخاذ الطاقة كمحور رئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين و3 مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق.
ومعروف أن الصين تعتمد كثيرا علي استيراد الطاقة من الشرق الأوسط.. وتعتبر أكبر مستورد للنفط الإيراني الذي خضع لسنوات للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية بسبب برنامج طهران النووي.. كما أن أكثر من ثلث التجارة الإيرانية تجري مع الصين.. وفي هذا السياق ذكر آية الله علي خامنئي المرشد الأعلي للثورة الإيرانية أن بلاده لن تنسي أبدا تأييد الصين لها أثناء عزلتها بسبب العقوبات الدولية.. وتعتزم تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين ورفعها إلي مستوي 600 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة.
وفي السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط إلي الصين استقبل الرئيس شي بحفاوة بالغة.. وشارك مع خادم الحرمين الملك سلمان في عدة افتتاحات لمشروعات جديدة وفي احتفالات فلكلورية سعودية.. علي الرغم من إدراك حكومة الرياض بطبيعة العلاقات الوثيقة بين الصين وإيران.. وهنا مربط الفرس.
قالت وكالة "شينخوا" الصينية إنه "علي الرغم من أن العلاقات بين إيران وبعض الدول العربية أصبحت متوترة في الفترة الأخيرة فإن الرئيس شي أكمل زيارته لإيران. وهو ما يصدر إشارة مفادها ضرورة إيجاد أرضية مشتركة وتنحية الخلافات جانبا".
والسؤال الآن: هل تستطيع الصين أن تقدم هذه الأرضية المشتركة التي تلتقي عندها السعودية وإيران لحل النزاع المتراكم والمعقد بين البلدين الذي يكشف عن نفسه في كثير من الملفات الصعبة.. خاصة ملفات العراق وسوريا واليمن والبحرين؟
لم تتورط الصين حتي الآن في هذه الصراعات الاقليمية.. ولم تكشف عن مواقف مؤيدة لطرف ضد الآخر.. وهي اليوم تقف علي شاطئ النهر تراوح مكانها.. هناك إغراءات تدفعها إلي النزول ومحاولة السباحة.. وهناك مخاوف تحذرها وتمنعها. خصوصا أن هناك أطرافاً أخري حاولت الوساطة وفشلت. مثل روسيا وتركيا. وكلاهما يحتفظ بعلاقات طيبة مع السعودية وإيران في نفس الوقت. خصوصا بعد زيارة ولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان لموسكو مؤخرا والاتفاق علي تعزيز التعاون بين البلدين... لكن مع هذا لم تستطع روسيا أن تقدم أرضية مشتركة تلتقي عندها السعودية وإيران.
سيكون علي الصين أن تفكر طويلا قبل أن تخوض التجربة.. وسيكون عليها أن تتحسب لاحتمالات الفشل.. لكنها إذا حدث واخترقت الحواجز وحققت نجاحا ولو بنسبة ضئيلة وتدريجية فسوف تصنع واقعا جديدا في المنطقة.. وتضع علمها علي أعلي ذروة فيه.
هل تمتلك الصين أدوات التأثير والمهارة الدبلوماسية اللازمة لهذا الدور الجديد.. دعونا ننتظر.