تقول بأننا فى العام 2016، أى فى القرن الـ21، ويحتاج قولك إلى بعض من التأمل والمراجعة.. نتيجة الحائط الخاصة بك فى حاجة إلى تغيير، لأننا الآن فى القرن الـ15.
لا تتعجب، لأن الزمن لا تحسبه الأرقام، الزمن تحسبه الوقائع والأحداث التى جرت به، تحدده عقول أهله ومدى تطورها وطريقة تعاملهم مع الحريات والفكر والإبداع.
فى سنة ٢٠١٦ ، حيث القرن الـ21، حرية الإبداع مكفولة، حرية البحث والدراسة مكفولة، كل إنسان بالغ عاقل راشد مسئول عن نفسه، لا وجود لكهنوت، ولا محاكم تفتيش، ولا فقه حسبة، ولا وشاية.. هذا هو القرن الـ21 الذى نعرف بوجوده فى دول العالم المتقدم. فى القرن الخامس عشر، لا حرية إبداع ولا بحث، الصلب مصير العلماء، والسجن للمفكرين والأدباء، والنفى حل متاح، وكل ذلك برعاية محاكم التفتيش التى تفرض وصاية على العقول.
ليه بقى بقولك إننا فى القرن الـ١٥ مش فى سنة ٢٠١٦؟!
لأننا ببساطة فى الفترة الأخيرة عشنا أجواء قاسية على الفكر والإبداع، أولها إيداع أديب شاب، هو أحمد ناجى، قاعات المحاكم بتهمة نشر نص أدبى خدش حياء المواطنين. وكانت التهمة أغرب من الخيال، حيث لم تنجح النيابة ولا صاحب البلاغ فى التفرقة ما بين المقال الصحفى والنص الأدبى الذى نُشر جزء منه، بعدها دخلنا دوامة إسلام بحيرى وتم الحكم بسجنه بتهمة ازدراء الأديان. ورغم رفضنا لخط إسلام بحيرى، فإن الرفض لا بد أن يكون أعمق لفكرة سجن إسلام بحيرى. ومن بعد إسلام جاءت قضية رنا السبكى التى وجدت نفسها متهمة أمام المحاكم بتهمة خدش الحياء العام بسبب فيلم «ريجاتا»، ومن بعدهم أجمعين وأخيراً جاء قرار سجن فاطمة ناعوت بتهمة ازدراء الأديان ليُكمل سلسلة من قضايا لا تدلل أبداً على أننا نعيش فى القرن الـ21، ورغم اختلافنا مع منهج فاطمة ناعوت القائم على «الشو» وغياب المنطق فى كثير من الأحيان، فإن الفكرة، حتى ولو كانت محملة برغبة البحث عن الشهرة، لا بد أن يتم ردها بفكرة مماثلة لا بالسجن.
أقول إنه يمكنك ببساطة رفض وإنكار هذا النوع من الأدب أو التجديد أو التفكير، يمكنك أن تنشر تحفظاتك، أن تجعل رواية فى مواجهة مقال نقدى، ودراسة بحثية فى مواجهة فكرة مطروحة لتجديد الخطاب الدينى. المختصر: واجه الفكر بالفكر وليس بالسجن. الغريب أن مصر سنة 1926 كانت تفعل ذلك، مجتمعها كان أكثر تطوراً وإدراكاً لدور الأدب والكتابة والفكر وكيفية التعامل معه، أدعوك فقط أن تقارن بين أى تهمة أو قرار الإحالة فى قضايا ناعوت وناجى ورنا وبحيرى بقرار النيابة التاريخى الذى كتبه محمد نور، رئيس نيابة مصر سنة 1926،
يوم 30 مايو سنة 1926م تقدم بلاغ من الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالى بالأزهر لسعادة النائب العمومى يتهم فيه الدكتور طه حسين، الأستاذ بالجامعة المصرية، بأنه ألف كتاباً أسماه «فى الشعر الجاهلى» ونشره على الجمهور وفى هذا الكتاب طعن صريح فى القرآن العظيم، حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم، إلى آخر ما ذكره فى بلاغه.
رئيس نيابة مصر وقتها درس البلاغ وأجرى عليه ما يشبه الدراسة، واستشار خبراء هذا المجال ثم قال كلمته التاريخية: «فى رأى القانون، يشير إلى المادة 12 من الأمر الملكى رقم 42 لسنة 23 التى نصت على وضع نظام دستورى للدولة قائم على أن حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك فى حدود القانون، ثم المادة 149 منه نصت على أن الإسلام دين الدولة فلكل إنسان حرية الاعتقاد بغير قيد ولا شرط وحرية الرأى موجودة فى القانون. ومما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر، فلذلك تُحفظ الأوراق إدارياً».