محمد الحداد
معان ثورية- بين الباستيل والتحرير .. رحيل طاغية ونشوة شعب
الكاتب البريطاني الشهيـر روبرت فيسك كتب في مقـال بعنـوان (رحيل طاغية ونشوة شعب) لـ «الإندبندنت»: «هب المصريون ونفضوا عنهم خوفهم وطردوا الرجل الذي يحبه الغرب ويعتبره زعيما معتدلا، نعم ليست شعوب أوروبا الشرقية وحدها القادرة علي مواجهة الوحشية وتحديها.. وسيعرف هذا الحدث في التاريخ باسم ثورة 25 يناير، وهو اليوم الذي اندلعت فيه الثورة، وسيؤرخ له علي أنه اليوم الذي هب فيه شعب مصر».. تذكرت هذه الكلمات حين اطلت علينا ذكري ثورة 25 يناير حيث شهد العصر الحديث أربع ثورات شعبية كبري غيرت وجه التاريخ هي: الثورة الفرنسية عام1789، والثورة الروسية عام1917والثورة الايرانية 1979 ثم الثورة المصرية 2011.
الثورة الفرنسية طالبت بالحرية والعدالة الاجتماعية فقد كانت فرنسا تعاني من الفقر وطغيان الملك وزوجته النمساوية ماري أنطوانيت، وشهدت في نفس الوقت نهضة فكرية كبري قادها مونتسكيو، روسو، فولتير، ميرابو وغيرهم.. ومنذ اندلعت الشرارة الأولي للثورة وخرج الفقراء في مظاهرة حاشدة إلي قصر فرساي في باريس، وحطموا سجن الباستيل وسقط الملك وحوكم هو وزوجته وتم اعدامهما بالمقصلة في21 يناير1793 أمام الجماهير كما أعدم أكثر من1500 من أعوانهما.
وقد امتدت الثورة الفرنسية خمسة عشر عاما ونشب الصراع بين الثوار أنفسهم وبلغ لحد اعدام بعضهم بالمقصلة في نفس المكان، وقد أدي ذلك إلي اضطراب اقتصادي اخفقت معه الثورة في القضاء علي الفقر، وأبرز ما توصف به هذه الثورة انها عفوية قامت بغير قيادة وكانت دموية ووضعت في عهدها وثيقة حقوق الانسان ومبدأ الفصل بين السلطات الذي أرساه مونتسكيو ونظرية العقد الاجتماعي التي نادي بها روسو إطارا للعلاقة بين الحاكم والمحكومين، ومازالت هذه النظرية وذلك المبدأ مطبقين حتي الآن.
وفي فبراير عام1917 اندلعت الشرارة الأولي للثورة الروسية كثورة جياع إذ انطلقت من طوابير المواطنين الروس للحصول علي الطعام وتحولت إلي مظاهرات بدأت بالعمال وانضم اليها المثقفون من المعلمين والاطباء والطلاب، وفي اكتوبر من ذات العام انطلقت المرحلة الثانية من الثورة حيث ثار البلاشفة بقيادة لينين وبأفكار كارل ماركس ضد الحكومة المؤقتة التي أدت سياساتها إلي فشل اقتصادي
ثم قاد البلاشفة انتفاضة ضخمة أسقطوا بها الحكومة المؤقتة وهاجموا القصر الملكي، وفي ليلة17 يوليو عام1918 قام الثوار بقتل القيصر وزوجته وابنه وبناته الاربع وسائر الخدم وأنهوا بذلك حكم أسرة رومانوف التي حكمت روسيا قرنين من الزمان وقضوا علي الرأسمالية الروسية وأمموا كل ثروات روسيا ثم أقاموا دولة الاتحاد السوفيتي التي تحولت إلي امبراطورية دامت بضعا وسبعين عاما، وهكذا بدأت الثورة الروسية طلبا للحرية والعدالة الاجتماعية
وبدأت إرهاصات الثورة الايرانية عام1977 حين تحالف الليبراليون واليساريون والجماعات الدينية من الشعب الايراني علي اسقاط الشاه وصولا إلي مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية
وفي عام1978 توالت الانتفاضات الشعبية الاسلامية وبلغت ذروتها في ديسمبر1978، وفي16 يناير1979 غادر الشاه وأسرته إيران وعاد الخميني إليها في أول فبراير1979 من منفاه الاختياري في فرنسا واستقبلته ملايين الشعب الايراني قائدا للثورة وبدأ تأسيس الجمهورية الاسلامية التي أعدمت جنرالات الجيش الملكي كما أعدمت أكثر من200 من أعوان الشاه وفصلت20000 من المعلمين و8000 من الضباط.
وهكذا انطلقت ثورة ايران طلبا للحرية والعدالة الاجتماعية ثم تحولت إلي ثورة اسلامية شيعية.. وإذا كان لابد من تفضيل لإحدي هذه الثورات فإن الثورة المصرية ـ دون أدني تحيز ـ هي أعظم الثورات الشعبية قاطبة فهي الثورة الوحيدة غير الدموية وهي أسرع الثورات إلي اسقاط النظام السابق، ففي اليوم الثامن عشر لقيامها سقط رئيس الجمهورية وتوالي سقوط أعوانه ثم احيلوا إلي التحقيق الجنائي جميعا تمهيدا لمحاكمتهم وتم ذلك دون ان تريق الثورة دم أي فرد من أعدائها، وفضلا عن ذلك فهي الثورة الوحيدة التي استهدفت الديمقراطية ولم ترفع شعارا مذهبيا سياسيا كان أو اقتصاديا وتشاركها الثورة الفرنسية في ذلك دون مزاياها الاخري.. الثورة المصرية هي اعظم ثورات التاريخ كله فسلمت الثورة المصرية من الديون في حين لم تسلم الثورات الثلاث منها.. إن اعداء الثورة اكثر عدداً وتنظيماً وتغلغلاً في المؤسسات الرسمية، وسوف يحاولون افشال هذه الثورة بتقليب الشعب عليها.