مصطفى شفيق
من قلبى- النضال من خارج البلاد خدعة يلجأ إليها تجار الآلام والأحلام
لا نحتاج ثورة ثالثة ... لكن نحتاج حالة ثورية دائمة
عدى يوم 25 يناير بدون ثورة ثالثة ... ومعاه عدى يوم 28 يناير بدون غضب جديد ... الأول يمثل ذكرى ثورة الشعب ... الثورة على حكم مبارك الذى أنجز كثيرا ... ثم تجاهل الشعب كثيرا ... فخرج عليه الشعب يطالب بحل الحكومة ... وبرلمان عز وجمال المزور ... رفض مبارك أشعل الثورة ... رفع سقف المطالب من رحيل الحكومة والبرلمان ... إلى رحيل النظام ... إلى رحيل مبارك شخصيا ... الثانى وهو 28 يناير كان جمعة الغضب ... فيها كان العداء لأمن النظام ... غضبة الشعب كانت ضد وزير الأمن وسياساته الخاطئة ... فيها كان القبض على الناس عشوائيا ... كنت أول من ألقوا القبض عليه فى منطقة مسجد عمرو بن العاص ... لم أكن بين المتظاهرين ... إنما كنت أؤدى عملى الصحفى ... أصور الأحداث على هاتفى المحمول ... أخذوا الهاتف وصاحبه ... ولم يعد إلا أنا فى نفس الليلة ... وتلك قصة أخرى قد أرويها فى يوم آخر ... أما اليوم فالحديث عن دعوة البعض لثورة ثالثة ... هل نحن فى حاجة إليها؟ السؤال تردد داخلى كثيرا ... وأكاد أجزم أنه تردد داخلك أيضا ... وأعرف أنه سؤال يردده كثير من الشباب ... لا أعنى المنتمين لتيارات بعينها ... فهؤلاء لا ألقى بالا لهم ... لكن أقصد هؤلاء العاطلين ... الباحثين عن فرصة عمل ... عن دخل يعينهم على الحياة دون إحراج الآباء الذين انهوا واجب تعليم أبنائهم ... ودون طأطأة الرأس عند السؤال.
الحقيقة أننا لا نحتاج لثورة ثالثة ... فثورة 25 يناير ثورة شعب ... لا يملك أحد أن يدعى أنه مفجرها ... لكنها ملك لإرادة الجميع ... ونتيجة لضغط تعرض له شعب كامل وليس فصيلا واحدا ... لا الإخوان ولا غيرهم يملكونها ... بل يملكها المصريون جميعا ... وثورة 30 يونية فجرها الظلم ... والاستئثار ... والرغبة فى التفرد بالسلطة ... ولا يملك فصيل أيضا أن يدعى أنه يملكها ... والدماء التى سالت فى الثورتين كانت دماء الشعب ... والرصاصات التى قتلت لم تكن تختار فصيلا دون آخر ... والداعون إلى الثورة الثالثة يناضلون من فنادق الخارج ... والنضال عن بعد لا يؤتى إلا خرابا ... وليست الحجة أن من يقترب سيلقى فى السجون ... فما فضل الثوار إن لم يتحملوا نتيجة أفكارهم ... وما قيمة ثائر يدعو غيره للتظاهر ويكتفى بالنوم إلى جوار المدفأة ... فلم يكن مانديلا ليحقق ما حققه لو هو اكتفى بالنضال من خارج البلاد ... وما حققه مانديلا ... وعبد الناصر ... وغاندى ... وديجول ... وحتى الرسول الكريم لم يكن نتيجة نضال عن بعد ... والكفاح الحقيقى لا يبدأ بعد الهروب ... والدعوة للتظاهر من الخارج ينطبق عليها قوله تعالى «اذهب أنت وربك فقاتلا..»
هل يعنى ذلك أن نتخلى عن الثورة ... ونرضى بما هو كائن ... بالطبع ليس هذا مطلوبا ... لكن علينا أن نتمسك بأهداف الثورتين الأولى ... والثانية ... بالكرامة ... والعدالة ... والحرية فى الأولى ... وبالتخلص من الاستئثار فى الثانية ... علينا أن نتمسك بالحالة الثورية ... الفارق بين الثورة والحالة الثورية كبير ... فالثورة تخمد بتحقيق أهدافها القريبة والعاجلة ... ولو استمرت لهدمت... وخربت ... ودمرت ... وأمثلة ذلك تحاصرنا... وتبقى الحالة الثورية لتحقيق الأهداف الأبعد ... الحالة الثورية وقود للعمل والتقدم ... الحالة الثورية أن يتجه الجميع إلى العمل ... والانتاج ... والقضاء على الفساد ... والظلم ... باختصار تعمل الحالة الثورية فى داخل مؤسسات الدولة ... وليس فى الشوارع ... فالحالة الثورية بناء ... وليست تدميراً وحرائق ... وتعطيلاً ... ولأن بعضنا فهم الحالة الثورية خطأ ... استخدمها فى التخريب ... وفى فرض رأيه ... ووجهة نظره على الدولة.... والذين لم يعوا هذا الفارق ... ولم يستوعبوا هذا الدرس ... واستمروا فى الثورة بعد أن احدثت التغيير المطلوب أخطأوا ... فتخطاهم الزمن ... وأضروا بأنفسهم ... وبتنظيماتهم ... ولأنهم لا يفهمون ... أو لا يعترفون بالشعوب وطبائعها ... لم يفهموا طبيعة الشعب المصرى ... فالذين تاجروا بآلام الشعب يوما... فاتهم أن الشعب المصرى حمال أسية بطبعه ... وبفطرته ... وأن لديه قرون استشعار يكتشف بها تجار الآلام ... والأحلام ... ويفرز بينهم وبين الزعيم الحقيقى ... وقد يقبل يوما أن يتنازل عن حقه ... لكنه أبدا لا يتركه ... ويستعيده ... يستوى فى ذلك حقه لدى الدولة ... ولدى من تجرأ يوما وخدعه ... سواء باسم النضال ... أو باسم الثورة المستمرة.
ولأنهم لم يفهموا الشعب المصرى أيضا ... لم تصل عقولهم إلى أن المصرى يعشق الاستقرار ... لأنه يعيش على ضفاف نهر كبير ... ومن أكبر أنهار الأرض ... والأنهار تفرض طبائع خاصة على شعوبها ... فشعوب الأنهار ترفض الحياة غير المستقرة ... والمصرى يأبى أن يظل فى ثورة إلى ما لا نهاية ... فالثورة المستمرة ضد طبائع الشعوب ... وضد طبيعة الشعب المصرى ... فطالما حصل على ما يريد ويطمح ... أو ما تريد أغلبيته وتطمح ... وما حققه الشعب ...كل الشعب ... بمواطنيه ... وشرطته ... وجيشه فى الأعوام الأخيرة يكفيه ... وهو ما يغيظ تجار آمال الشعوب ... والآلام ... والأحلام ... بقى أن يفهم ذلك الثوار ... والشباب ... والداعين للثورة الثالثة ... وتجار الدين.
تباريح
من أقوال الشيخ الشعراوى: لا تقلق من تدابير البشر فإنهم لا يملكون إلا تنفيذ إرادة الله