سليمان جودة
أهداف «25 يناير» التى أسأنا ونسىء فهمها!
واضح جدًا، أن هناك سوء فهم، من جانب مسئولين كثيرين وكبار فى الدولة، لأهداف 25 يناير 2011.
لقد قرأت مؤخرًا، لوزير فى الحكومة، أن الحكومة حققت أهداف «يناير» قبل حلول ذكراها الخامسة هذه الأيام، وأن الدليل على ذلك، أن مخصصات التموين يتم صرفها مرتين شهريًا، وأن الطوابير قد اختفت من أمام المخابز!
وحين يقول وزير مسئول هذا الكلام، فليس لذلك من معنى، سوى أن الوزير الهُمام، لا يفرّق بين مظاهرات الخبز التى قامت فى البلد، فى يناير 77، وبين ما جرى فى يناير نفسه، عام 2011!
ليس هذا فقط، وإنما كلام الوزير يدل على أنه يفهم الشعار الأول لـ25 يناير، الذى يتحدث عن «العيش» على أنه، كشعار، كان يهدف إلى توفير رغيف العيش للمواطنين.. وهذا فى حد ذاته إن دل على شىء، فإنه يدل على أن مسئولين بلا عدد فى بلدنا، مدعوون إلى أن يعرفوا بجد، أن هناك فرقًا بين الإنسان، وبين الحيوان.. ومدعوون إلى أن يدركوا، أن 25 يناير 2011 إذا كانت كثورة، قد قامت من أجل مجرد رغيف عيش يتوافر على مائدة، فما أبأسها من ثورة!
والحقيقة أن الشعار الأول لـ25 يناير ليس هو فقط الذى جرى اغتزاله فى شىء مادى هكذا، وليس هو فقط الذى جرى فهمه على أنه يعنى الرغيف فقط، ولا شىء غير الرغيف!
إن الشعار الثانى أيضًا، قد جرى اختزاله بالطريقة نفسها، وأكاد أقول جرى امتهانه، فهو يتحدث عن «الحرية» بمعناها العام والمتنوع، بينما يتكلم عنه مسئولونا، وكأن الحرية هى فقط تأييد الحكومة، والتطبيل للحكومة، ومباركة كل خطوة تقطعها الحكومة، فى أى اتجاه!
انظر مثلًا إلى تكوين البرلمان الحالى، وكيف أن المعارضة تكاد تكون معدومة فيه.. وعندما أراد نوابه، أن يعارضوا الحكومة، عارضوا الدولة ذاتها، ولم يفرّقوا بين ما يخص الدولة، وما يتعلق بالحكومة، فرفضوا قانون الخدمة المدنية، الذى كان هو الأمل الباقى فى إصلاح جهاز يعوق سير الأمور فى البلد كله، ويصيب الدولة كلها بحالة من الكُساح!
رفضوه، إما كيدًا فى الحكومة وإما رغبة فى مغازلة ناخبيهم فى الدوائر على حساب مصالح دولة بكاملها، وإما عن عجز عن التفرقة الجادة، بينما ما يتصل بعمل حكومة سوف تذهب وتأتى حكومة أخرى فى مكانها، وبين مصالح عليا لدولة لابد أن تبقى، وأن تكون أركانها أقوى بكثير مما هى عليه، وأن تكون بقوانينها دولة عصرية حقًا، لا دولة تعيش بقوانين عقود وقرون من الزمان مضت!
ولم يكن حال الشعار الثالث لـ25 يناير أفضل حظًا من حظ الشعار الأول، ولا الشعار الثانى!
إن الثالث يتحدث عن مبدأ العدالة الاجتماعية، الذى كان بدوره، شعارًا لثورة يوليو عام 1952، وتلك مفارقة لابد أن تستلفتنا، وأن تستوقفنا طويلًا!
هذا الشعار، كان حظه أسوأ لأن مسئولينا أنفسهم يفهمونه حتى اليوم، على أنه علاوة هنا، لهذا الموظف، ثم حافز هناك، لموظف آخر، ومع العلاوة، والحافز، حد أدنى للأجور وحد أقصى كذلك!
طبعًا العلاوة مهمة للموظف، ومعها الحافز، ثم معهما الحدان الأدنى والأقصى.. غير أن هذا كله، لا علاقة له من قريب، ولا من بعيد، بالعدالة الاجتماعية كمبدأ رفعته ثورة يوليو، عام 1952، ثم عادت 25 يناير لترفعه هو نفسه، فى عام 2011!
العدالة الاجتماعية، فى حقيقتها، ليست كلامًا، مهما كان قدرها، ولا هى حافز، مهما كان حجمه، ولا هى حد أدنى، مهما كان مقداره، ولا هى حد أقصى، مهما كان سقفه، ولا.. ولا.. إلى آخر هذه المعانى التى لا يكون لها مردود، لدى المواطن، سوى وضع المزيد من البنكنوت فى يده، وهو مزيد قد يفرح به المواطن، عند أول لحظة، ثم يكتشف أنه لا يعنى شيئًا، ولا يساوى شيئًا، أمام الأسعار، وأمام التضخم الذى يصيب العملة يومًا بعد يوم!
العدالة الاجتماعية تعنى خدمة تعليمية جيدة، لكل مواطن، وتعنى رعاية صحية جيدة أيضًا، لكل مواطن كذلك.. وما عدا هذين الشيئين، ضحك على المواطنين!