الوطن
د. محمود خليل
فخ المدرعات
تفجير المدرعات فى سيناء أصبح حدثاً يومياً، ليستشهد جنود وضباط ويصاب آخرون. وطريقة التفجير تكاد تكون واحدة، كما تنشر وسائل الإعلام، فهى تتم من خلال زرع عبوة ناسفة على طريق المدرعة، وفى أحوال قليلة يعقب ذلك اشتباك. والرد دائماً متوقع، فبعد ساعات قليلة من سقوط شهيد أو شهداء جدد، تخرج علينا الأخبار، لتؤكد أن الانتقام من القتلة وقع، وتم قتل عشرات الإرهابيين، وتدمير بؤر، وهدم عشش، وأحياناً ما يترافق مع ذلك خبر آخر عن سقوط بعض المدنيين ضحايا لقذيفة أو عبوة إرهابية طائشة. منذ عدة شهور، وذلك هو أسلوب التناول لتفجير المدرعات فى سيناء الذى تواصل، ولم يزل، منذ شهور، وكأننا بصدد معادلة محفوظة، دون التنبه إلى ذلك التكرار الملفت فى عناصر الأداء.

ما الأسباب التى تؤدى بالإنسان إلى الوقوع فى الفخ نفسه مرتين؟ إنها أسباب عديدة، تعالوا نبدأ بضعف القدرة على التوقع، ويتأتى هذا الضعف، عندما يستبعد الفرد أن خصمه لن يكرر نفس الحيلة معه مرة جديدة، لأنه استنفر كل قدراته وطاقاته بعد المرة الأولى التى تعرض فيها لهذا الفخ، والظن بأن ذلك كفيل بردع الخصم عن تكرار نصب الفخ نفسه مرة جديدة. إنها العادة المصرية العجيبة التى تسيطر على دماغ المصريين بدءاً من التلامذة والطلبة، الذين ينظرون إلى أسئلة امتحانات العام الماضى، ويستبعدون الموضوعات التى ركزت عليها من خريطة مذاكرتهم، انطلاقاً من صعوبة أن يكرر الممتحن فى العام الجديد أسئلة العام الماضى، وذلك شأن بعض الكبار أيضاً!.

السبب الثانى عدم الوعى بأن الخصم الذى تواجهه ينتمى إلى نفس فصيلة التفكير، بمعنى أنه نمطى الرؤية، ولا يجهد عقله فى تجديد أساليب أو طرق أدائه، والدليل على ذلك أن الأجهزة الأمنية تنال منه بالطريقة نفسها، ويقع أيضاً فى نفس الفخاخ التى تنصبها له بشكل متكرر، وإذا كان الإرهاب يؤدى بشكل نمطى، فمن غير المنطق أن تؤدى الأجهزة الأمنية بالطريقة نفسها، فالإرهابى عقله مغلق، ولا يقرأ ولا يتابع، ولا يطور نفسه، وليس لديه سوى طريقة واحدة أو أسلوب واحد فى تنفيذ عملياته، والجانب الوحيد الذى يتكل عليه -فى هذا السياق- ما يحفظه عن طبيعة الإنسان المصرى الذى يدخل فى حالة استرخاء، ونوع من الكسل، بعد كل جهد أو تعب، وأحياناً ما يكسل أو يهمل لأسباب أخرى، مثل مشاهدة كرة قدم أو شىء من هذا القبيل، كما حدث ذات يوم فى واحدة من الجرائم الإرهابية الكبرى التى شهدتها سيناء.

السبب الثالث يتمثل فى عدم الوعى بقيمة وأهمية المعلومات، لتحديد خريطة التحرك. المعلومات مهمة للغاية، وليس من المنطقى أن نترك الخصم يتحرك بمعلومات، فى الوقت الذى نعتمد فيه نحن على «التواكل»، وترك الأمور تسير حيث تسير، ليسقط كل يوم شهداء، تذرف عليهم الدموع، فى «المناحات العامة»، دون محاولة للاجتهاد فى عدم تكرار تلك الفواجع. الواضح أن الإرهابيين يتحركون بمعلومات تتوافر لديهم حول تحركات القوات الأمنية، الأمر الذى يسهل عليهم النيل منهم، وقد ظهر هذا الأمر فى أكثر من واقعة، اعتمدت على الفخ نفسه.. رحم الله كل شهيد، وشفى كل مصاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف