الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية- البالطو.. عاد من جديد
عشت 80 طوبة، غير شهر طوبة الحالي.. وعاش المصري في العصر الطويل 1732 طوبة.. بـ «التقويم القبطي». ومن المؤكد عاش أجدادنا آلافاً عديدة من السنين ولكنهم لم تمر بهم موجة برد وصقيع رهيبة مثل تلك التي نعيشها هذه الأيام.. فهل هذه هي طوبة.. وبعدها الطوفان. أم أن المصري الآن لسان حاله يقول «لقد وهن العظم مني» حتي بات لا يتحمل موجات البرد التي تمر به هذه الأيام.. ولكن ربما يحس المصري بلسعة برد هذا العام بسبب التغير الرهيب في الحياة علي كوكب الأرض.. وان عليه أن يذوق طعم البرد الذي تعيشه شعوب أهل الشمال الأوروبي والأمريكي.. والآسيوي كمان وكمان.. نقول ذلك لأن من يقف أمام كل اللوحات الفرعونية، في المعابد وعلي البرديات، يتأكد أن الجو الحار كان هو السائد علي هذه المنطقة من آلاف السنين..
وكنا نعتقد أن دمياط هي أبرد نقطة في أرض مصر. ولذلك كانت السماء إذا أمطرت، كان مطرها يستمر أياماً.. ولكن ليس مثل برد هذه الأيام..
<< وقد تعود المصري أن يقاوم البرد بوسائل شتي: بالملابس.. وبأنواع معينة من الغذاء والشراب.. وحتي التسالي.. وربما بقطع من الخشب يشعلها ناراً في «قصعة» عامل البناء.. أو في الكانون ليطلب الدفء..
ولكنه كان يرتدي الملابس الصوفية الثقيلة: خارجية وداخلية وفوق الرأس. لذلك عرف المصري ـ من عشرات السنين ـ البلاطي الصوف للأفنية أبناء المدن.. وعرف المصري ابن الريف والصحراء العباءة الصوف. والأفندي كان يرتدي تحت البالطو البدلة الصوف الشتوية وتحتها الصديري، أو الجيليه الصوف، أو أيضاً البلوفر الصوف.. وأحياناً كان يرتدي قميصاً من الصوف.. ومع كل ذلك عرف المصري «الكوفية» الصوف. كما عرف أيضاً «الجوانتي الصوف أو الجلد» تماماً كما عرف الجوارب «الشرابات» الصوف. وكذلك الكلاسين الصوفية طويلة القدمين والفانلات الداخلية كذلك.. وعرف الأغنياء البيجامات من الصوف الفيلا. وفوقها يرتدي المصري داخل البيت «الروب الصوفي الثقيل».. وربما كان يضع أحياناً الطاقية الصوف، أو الوبرية أيضاً.. وكان الفقير يرتدي البيجامات الكستور.. «مبرد.. أو قطيفة» وكذلك الجلاليب..
<< وفي الريفـ وخارج أماكن العمل ـ كان المصري يرتدي الجلابية الصوف.. والغني منهم كان يضع العباءات الصوفية وبالذات المصنوعة من «وبر الجمل» وأفضله صوف 5500 انجليزي الصنع وكان أغلبها من لونين الأسود والكحلي.. وكذلك عباءات صفراء اللون داكنة وثقيلة.. وكانت العباءات تحل محل البلاطي في الريف والمراكز.. أما المصري الريفي البسيط فكان يرتدي الجلاليب الصوفية للفسحة.. أو المصنوعة من صوف رخيص ولابد هنا من وضع التلفيعة.. وكانت تصنع أحيانا من الصوف، أما لباس الرأس فكان من «اللبدة» وهي شتاء من الصوف وصيفاً من القطن، أو الكتان..
<< وكان شائعاً في مصر ـ زمان ـ بالنسبة للسيدات ارتداء التايير المصنوع من الصوف شتاء.. أو التيل والتلة صيفاً وكان عند كل سيدة تقريباً نوع أو نوعان من البلاطي الشتوي أو الجاكيت الشتوي.. وترتدي تحته نوعاً من البلوزات من الصوف الخفيف اسمها التوينز لأنها كانت من قطعتين تحتي بنصف كم وفوقها آخر بكم طويل.. ولكن كل ذلك اختفي منذ 30 أو 40 سنة.. عندما أخذ الحر يضرب البلاد..
الآن.. عادت البلاطي للظهور.. بعد أن نسيناها ـ للرجال وللنساء وعادت أغطية الرأس.. وكذلك الجوانتي صوفاً أوجلداً.. بل نسينا كذلك اللحاف، وكان رئيسياً في جهاز «شوار» أي عروس.. واحد لحاف للزينة.. وآخر ـ علي الأقل ـ للاستخدام. وعاد اللحاف.. وأحيانا عندما يعجز عن توفير الدفء يلجأ المصري الآن إلي وضع بطانية صوف تحت اللحاف.. وهناك الآن لحاف صوف ـ ولو صناعي ـمن طبقتين.. ونسي المصري البطاطين الانجليزي التي تشبه ما يصرف للمجندين.. وللمساجين..
<< طيب.. من استطاع من البشر الآن عاد يتسلح بالملابس الشتوية الصوفية والبطاطين.. ماذا عن مئات الألوف من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مخيمات في تركيا والأردن ولبنان ومصر وغيرها بلا أي بطاطين أو بلوفرات تخفف عنهم موجات الصقيع.. بل ماذا عمن يموت غرقاً منهم الآن في بحر إيجة المثلج ومنهم أطفال تحت العاشرة.. وماذا عن مصريين يعيشون في قري بحري أو نجوع الصعيد تحت موجات هذا البرد.. هل نكتفي بالدعاء لهم.. أم نمد أيدينا لكل هؤلاء اللاجئين.. أو المصريين البسطاء. كان الله في عونهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف