الأهرام
أشرف محمود
قضايا هامشية تعرقل المسيرة
يتعجب المتابع لحالنا هذه الايام من كم القضايا الهامشية التى تفرض نفسها على حياتنا وتعرقل مسيرتنا التى نسابق الزمن من اجل اجتياز كل كبواتنا التى حالت دون تحقيق كل امانينا منذ ثورة 30 يونيو، اذ لا يعقل والبلد يحارب على أكثر من جبهة فى مقدمتها جبهة الارهاب ويتبارى أبطاله فى تقديم ارواحهم فداء للوطن وحماية للمواطنين ، يخرج نفر من الناس عن الصف بداعى الحرية الشخصية وحق التعبير عن الذات ، ويأتون بتصرفات اقل مايمكن وصفها بالصبيانية والتى لاتصدر الا عن مفتقدى التربية وقواعد الادب واللياقة ومعدومى الاحساس بالمسئولية الاخلاقية ،ومن عجب ان تلك التصرفات الشاذة وغير المسئولة تجد من يروج لها ويدعمها ممن هم اكبر سنا من مرتكبيها واكثر خبرة ، لكنها حالة الانفلات الاخلاقى التى اصابت المجتمع المصرى منذ ظن البعض ان الحرية تعنى اللامسئولية او الجرأة فى غير موضعها أو أنها استباحة حرمات الآخرين وخصوصيتهم.

وهكذا بين يوم وليلة باتت قضية اثنين ممن يبحثون عن الشهرة حتى ولو من الباب الخلفي، قاما بارتكاب خطأ فى حق رجال الشرطة فى يوم عيدهم عن عمد واصرار اكدته تصريحات أحدهما عقب انتشار الامر باصراره على مافعل ورفضه الاعتذار عما سببه من أذى ادبى ومعنوى للضباط والمجندين وكشف عن وجهه القبيح الذى يسقط عنه التعاطف لقلة الخبرة او لطيش الشباب كما يحلو للبعض فى التقليل من وقع اى حماقة يقدم عليها شباب لم ينل القسط الواجب من التربية فى البيت او المدرسة فظن ان الحياة مباحة امامه ليفعل مايشاء فى اى وقت يشاء ، وانه لا خصوصية للآخرين مادام هداه شيطانه الى فعل اى شيء، يتساوى فى ذلك عنده الفرد او الجماعة ، فلا خطوط حمراء.. الكل مستباح.

ومن عجب ان ردود الافعال حول هذا الخروج الاخلاقى جاءت متطرفة مابين التأييد بداعى الدفاع عن حق الشابين فى التعبير عن رأييهما أيا ما كان، بل وزاد أحدهما ممن اشتهر بلقب الاعلامى الساخر بالاعتراف بأن مابدر منهما خطأ بلغ درجة السخف لكنه همش القضية وغير مسارها الى انتقاد الدولة التى اعترضت على هذا الخروج السخيف، اذ رأى المناصر الساخر فى اعتراض الدولة دليلا على ضعفها وضياع هيبتها ، فهل كان المطلوب من الدولة ان تقبل كل من اهان رجالها وهيئاتها ، او ان عليها ان تدفن رأسها فى الرمال وتغض الطرف عن اى إهانة تتعرض لها حتى ولو وصلت الى ايدى رجالها ومسامعهم وتناقلتها مقاطع فيديو على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعى ، لتنتشر الاهانة كالنار فى الهشيم وتصيب عائلات هؤلاء الافراد بالاذى والحزن.

فى المقابل خرج تعامل الاعلام المعارض لفعلة الشابين عن حدود الذوق العام وبلغ مرحلة خدش الحياء ، فلم يكن مطلوبا ان يكون الرد على الاذى باذى مثله وكان يجب على الاعلام الا يتطرق لهذا الامر ويتركه للقضاء يقول فيه كلمته الفصل ليرد بها من اخطأ ومن تسول له نفسه محاكاة الخطأ فى المستقبل ، لان هناك كثيرين ينتظرون ماستسفر عنه هذه القضية فان هى مرت مرور الكرام وتجاوز الافراد وهيئتهم والمجتمع عن الاهانة ستتكرر حتما ، لان من أمن العقاب أساء الادب ، ولنا فى جماعات الالتراس العبرة والمثل.

ولم تكن قضية الشابين وحدها التى جرت المجتمع لحالة اشتباك هامشية ، وانما جاءت احكام القضاء على عدد ممن يدعون انهم مفكرون او مجددون او مثقفون وينتمون للنخبة التى اضرت اكثر ما نفعت فى السنوات الخمس الاخيرة ، وتسببت فى ايجاد هوة سحيقة مع المجتمع الذى لم يعد يعرف ماذا تريد تلك النخبة وهل التعرض للدين الاسلامى بالغمز واللمز والتشكيك والانكار لاحاديث او مسائل فقهية يأتى ضمن الحرية الابداعية، ولماذا تتوالى الهجمات ضد الاسلام ومنارته الازهر ورواة الحديث فى هذه الايام؟ وما هى مؤهلات هؤلاء المتاجرين بتجديد الخطاب الدينى حتى يرفعوا لواء ليس لهم ، ويجاهرون بعدائهم ثم يعتبرون خضوعهم للمساءلة القانونية تعنتا او تضييقا حول حرية الابداع او ابداء الآراء، وكأن الاسلام ليس دينا سماويا له كتابه وله سنة تركها رسوله وقال صلى الله عليه وسلم عنهما (تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا كتاب الله وسنتي) صدق رسول الله ، فاذا ماجاء من يتطاول او يقلل من شأن احاديث الرسول او رواتها من العلماء الاجلاء رضوان الله عليهم ، بات لزاما على المستمعين ان يصفقوا له ويقبلوا بآرائه رغم انه لايملك من علوم الدين مايؤهله لمقارعة علماء الازهر فى مناظرة ، فاذا قال القضاء كلمته فى شأن هؤلاء تخرج علينا الاصوات المنددة بالتعسف فى التعامل مع اصحاب الافكار التنويرية الهادفة للتطوير والتجديد ، فهل بات التجديد والتطوير يمس ثوابت الامة الاسلامية ، وهل من التطوير والتجديد التشكيك فى امور استقر عليها العلماء منذ نحو قرن ونصف قرن من الزمان.

اننا نعرف جميعا ان الوحى انقطع بعد انتقال الرسول الكريم الى الرفيق الاعلى ، فمن اين جاء هؤلاء بما لم يأت به العلماء الثقاة على مر الزمان.

هاتان قضيتان من بين عشرات القضايا الهامشية التى تسيطر على حياتنا بفعل الدراويش ممن ادمنوا الخروج عن النص ومن أسف انهم وجدوا من يناصرهم ممن امتلكوا ناصية الفضائيات فباتت وسيلتهم لنفث سمومهم وشغل الناس بما لا يفيدهم ويعرقل مسيرتهم ، لذا ارى ان يترك الشعب والاعلام هذه القضايا الهامشية التى تجرنا الى الخلاف والفرقة وترك امر الخارجين على الدين او القانون او الذوق العام والاخلاق للقضاء وليتفرغ الجميع للعمل والبناء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف